نقد السنيني 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الرؤية النقدية المقدمة من قبلي خولة رمضان لقصيدة مأتم الأرض عبر برنامج في ظلال النقد .
للأديب المتألق الشاعر المصري
أنور محمود السنيني
اخترنا لكم هذا الأسبوع
قصيدة { نتانة الأرض }
للأديب الشاعر المصري المتألق أنور محمود السنيني
وإليكم الرؤية المبسطة وما يختبئ وراء الرؤية من ظلال وانعكاسات .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أعزائي المتابعين
أضع بين أيديكم هذه الدراسة النقدية بعنوان : في ظلال النقد ..الموجهة من قبلي خولة رمضان لأديبنا الراقي الشاعر أنور محمود السنيني عن قصيدة من الشعر العمودي بعنوان (نتانة الأرض ) ..
إليكم القصيدة
انور محمود السنيني
" نتانة الأرض "
لا تنسبوا للدّين كل قباحة
فالدّين من كل القبيح براء
وإذا أساء الناس فيما يفعلوا
فعليهمو يا أيّها الشرفاء
الدّين نور للبصير شعاعه
في القلب والفعل الجميل ضياء
والتّاركون جمالهم بفعالهم
فلهم قلوب عندنا عمياء
وإذا تدلّت في صدرهمو اللّحى
دلت على ظلماتها الظلماء
عجبا لذي نور تراه على الدّجى
متكالبا تقتاده الأهواء
بئس الخيانة للدّيانة ما أتت
من أهلها الأقذار والإزراء
مرت بها لكنّها بسلامة
هي كالسّماء وأرضها الحقراء
فمتى تثير الأرض كل نتانة
رجعت عليها والسّماء سماء
ما ضرَّ ديني أهله وعدوه
للشّمس مهما يفعلوه عطاء
بقلمي أنور محمود السنيني
من سجالاتي المعدلة
وإليكم نبذة عن حياة الشاعر
الصورة الكلية
قصيدة من الشعر العمودي تتكون من عشرة أبيات موزونة مقفاة وحرف رويّها الهمزة الممدودة ، وقد جاءت على االبحر الكامل
وهذا البحر مفتاحه وتفعيلاته كالآتي :
كمل الجمال من البحور الكامل متفاعلن متفاعلن متفاعل .
وقد نوّع الشاعر بين التفعيلات الرئيسية والفرعية فاستخدم جوازات التفعيلات
متٙفاعلن : متٔفاعلن بتسكين التاء
ومتٔفاعل
بتسكين التاء والاعتلال
مجمل القول أن الموسيقى الخارجية فيها متقنة سليمة .
اما الموسيقى الداخلية ففيها تنويع جاء من تنوع الأساليب الإنشائية . من نهي في البيت الأول والشرط في البيت الثاني والخامس
والتاسع .
والنفي في البيت العاشر.
إضافة للأساليب الخبرية في البيت الثالث والرابع والسادس والسابع .
نبدأ من العنوان
نتانة الأرض.. .
يتكون العنوان من كلمتين
الأولى مضاف والثانية مضاف إليه
نسب للأرض نتانة فما هي النتانة لغويا ؟
هي مضدر للفعل نتٙنٙ
نتَن الشَّيءُ : خبُثت رائحتُه وفَسَد
ونسبة النتانة للأرض تعني أن الأرض أخرجت ما فيها من فساد .
فهل هذا المعنى حقيقي ام مجازي ؟
نسبة النتانة للأرض صفة ملازمة لمن يدبُّ
على الأرض ، وهذا نوع من البلاغة يشمى بالمجاز المرسل .
فقد أطلق صفة النتانة على المكان وقصد ساكنيه . وهم البشر .
مجاز مرسل علاقته المكانية .
لكن هل قصد الشاعر جميع البشر ؟
لا شك أنه قصد النّاس الذين أساءت وقبحت أفعالهم، فوصفت بالنتانة ، أي فاحت رائحة عفونتها .
ما علاقة هذا الوصف بمن يسيء للدين ؟
سنتدرج في معاني القصيدة لنصل للأسباب
التي جعلت الشاعر أنور محمود السنيني
يصف أفعال هؤلاء بالنتانة .
إضاءة
الشعر فن أدبي له دلالاته العميقة من حيث الكشف عن أعماق مشكلة اجتماعية أو بشرية تتعلق بوجدانيات الشاعر وقناعاته وثقافته .
الصفة التي أراد الشاعر توصيلها إلى قراء النص صفة عامة تشمل كل من قام بفعل الإساءة للدين ولكن هل قصد أهل الدّين الإسلامي فقط أم قصد كل من أساء للدّين ؟ .
المهم أنّه كائن حقيقي كما ظهر في قصيدة الشاعر هنا فهو يتكلم عمّن يتستر بالدّين
ثم يسيء له فقد قال :
بئس الخيانة للديانة ما أتت
من أهلها الأقذار والإزراء
في هذا البيت قصد الشاعر ما صدر من أهل الدين وابنائه من القبح والأرزاء .
إنّها فئة تهدم ولا تبني تعمل على تقطيع أوصال الدّين الذي هو عنوان الفضائل ومنه تستقي البشرية ثوب الأخلاق وتقوم على سنّ تشريعات تتعلق بالآداب العامة والقوانين .
وموضوع هذه القصيدة يخلق جوا من الاستفسارات المدهشة التي تدور في أذهان
كل مواطن مسلم شريف يغار على دينه ويخشى عليه من من التشويه والتّحريف ويرجو ان يعود إلى سابق مجده وعزته .
ما السّبب الذي يدعو لكل هذا التشويه للدين ؟
وقد لاحظنا ما وجّه للدّين الإسلامي من إساءات من قبل غير المسلمين ايضا ، رغم أنّ الدّين الإسلامي لم يتعمد الإساءة لأي دين بل عامل بقية الشعوب بالحسنى والإقناع .
ولاحظوا معي كيف أشار الشاعر إلى أعداء الدين من الغرب فقال :
ما ضر ديني أهله وعدوّه
للشّمس مهما يفعلوه عطاء
فقد عطف عدو الدين إلى كلمة أهله فأصبح
ما يفعله الغرب من تشويه للدّين موافقا لما يفعله أهل الدين من إساءات متعمدة وغير متعمّدة .
هناك حرب شعواء موجهة ضدّ الدّين بهدف
الانتقاص من الدّين الإسلامي وتمكين الغرب من قيادة العالم وفق مخططات عالمية الهدف منها نشر العلمانية .. والتّسويق لمثلث الأديان الجديد .
أصبح الدين الإسلامي مستهدفا وصار النّيل من رموزه أمرا مستحسنا عند الغرب ' وأصبح التعبير عن حقدهم الدفين واضحا
وهو عندهم كسبيل للشهرة .. وأظن أيضا
أن الإساءة للدين الإسلامي طريقا للفاشلين
والمتعثرين ممن يعانون أزمات نفسية وأظن
أن خير دليل على ذلك ما فعله سلمان رشدي حينما نال جوائزا عالمية لتأليف كتاب (رموز شيطانية )
وقد طالت هذه الإساءات العالم الإسلامي بأكمله من النّيل للفرات ..لإشغال المسلمين عن قضايا مصيرية كتهويد الأقصى . ..
تطغى على النّص الصور الشعرية والإضاءات
الجميلة ،
يميل النّص إلى العاطفة الوجدانية بصورة
ثورة واستنكار انشائي عبر سيل من الحجج والبراهين الدالة على تشويه صورة الدّين الإسلامي والدّين منها براء
كما ظهر في البيت الأول حيث قال :
لا تنسبوا للدين كل قباحة
فالدين من كل القبيح براء
فقد جاء أسلوب النفي الإنشائي في الشطر الأول ثم الدّليل المقنع على براءة الدين في الشطر الثاني حيث قال : الدين بريء من
كلّ قبح .
وتابع دليله وحججه في البيت الثاني
حيث نسب القبح للإنسان نفسه الذي يأتي بالأفعال القبيحة والسلوكيات الخارجة عن أصول الدين فقال :
وإذا أساء الناس فيما يفعلوا
فعليهممُ يا أيها الشرفاء
الإساءة تعود لمن يفعلها فهنا أسلوب الشرط بإذا خدم الفكرة التي قصدها الشاعر من
توجيه القبح لشخص الإنسان الذي ينسب القبح للدين .
فهل هذه حجة منطقية يؤخذ بها وتدعو للإقناع ؟
تدعو للإقناع حينما تابع الشاعر فكرته في الأبيات التالية .
فقد شبه تأثير الدُين في النفس كتأثير الضياء بالإنسان المُبصر.
ثم يعم هذا الضياء القلب ويترجمه العمل
بأفعال جميلة توافق ما شرّعه الدُين فقال في هذا المعنى :
الدُين نور للبصير شعاعه
في القلب والفعل الجميل ضياء
برأيكم أعزائي المتابعين هل هذه الحجة عقلانية ؟
كل ما يصدر من أفعال بشرية هي ترجمه للمعتقدات والمبادئ الراسخة .
إذن من يسيء للدين بأفعاله التي لم يأت بها الدّين ليس من المنطق أن ننسبها للدين .
كل عمل غير مطابق لما جاء به الدّين
ليس من حق أحد أن ينسبه للدين .
فهنا شريحة من الناس لم تتمسك بتعاليم
الدين الإسلامي وأفعالها بالتّأكيد مردودة عليها .
وهناك فرق بين المسلم والمؤمن
فالمسلم من انتسب للدين الإسلامي بهوية قانونية وقد يكون غير متفهم للدّين ولكن
المؤمن فقد انتسب للدّين وعمل بكل ما جاء به وكانت أفعاله مطابقة لقناعاته .
هنا تكون إجابتي على السؤال السّابق ..
فالحجّة منطقية وواقعية .
فهؤلاء الذين قبحت أفعالهم متأسلمون والدين من أفعالهم براء.
ما علاقة هؤلاء بالخيانة في مفهومها اللّغوي والاصطلاحي ؟
الخيانة تكون عن سبق إصرار للحصول على منافع شخصية او جماعية .
والخائن يتخذ من النّفاق وسيلة للتستر بالدّين فيظهر أمام الآخرين وكأنه وليّ من أولياء الله فتظهر أفعاله غير مطابقة لمظهره
الذي يوحي بالتدين .
فهو يرخي لحيته كمظهر على تمسكه بالدّين
رغم حقارة أفعاله وتظهر أيضا قناعاته المتهالكة على مذبح الأهواءوالمنفعة الشخصية فيتخذ من خيانة الدّين والوطن طريقا للتكسب وتحصيل المتعة .
فقال في هذا المعنى :
والتّاركون جمالهم بفعالهم
فلهم قلوب عندنا عمياء
وإذا تدلّت في صدرهمُ اللّحى
دلّت على ظلماتها الظّلماء
عجبا لذي نور تراه على الدّجى
متكالبا تقتاده الأهواء
بئس الخيانة للدّيانة ما أتت
من أهلها الأقذار والإزراء
هل هذه الحجج مقنعة ؟
وهل جاءت منطقية تدخل العقل الوجدان ؟
فقد اكّد أن الأفعال القبيحة تتنافى وجمال
الأخلاق الإسلامية وهي تدل على عمى القلوب .. وهذه اللحى المسدلة ليست إلا مظهرا براقا في الظاهر لكن حقيقة هي
خبث مفتعل وظلمة للقلوب والنفوس المريضة بمرض المصالح والأهواء .
يتعجب الشاعر من هؤلاء المتكالبون على
الدّنيا تقودهم أهواءهم الشخصية
تركوا النور والشرع القويم ليتكالبوا على حطام دنيا فانية وأفعال تأتي بالظلام متسترين بمظهر ديني .
وهذا الانقلاب من النور للظلام هو الخيانة بعينها .. وبئست هذه الخيانة ، فقد عمد شاعرنا لذمّها مستخدما هذا الأسلوب الجميل للدلالة على قبح السلوك .
فهي قذارة وسوء نيّة وحقارة .:
بئس الخيانة للديانة ما أتت
من أهلها الأقذار والإزراء
ثم عمد شاعرنا للمقارنة في الأبيات
الثلاثة الأخيرة
فما فائدة هذا الأسلوب في الدفاع عن الدّين ؟
المقارنة تأتي دائما لتعميق بؤرة النّص
فهنا قضية يجب ان تجلى وينكشف كل مستور .
فالدين بريءإذن هو سماء في علوها وبهائها وضيائها .
لكن الأرض بساكنيها الذين ينصبون الشراك للدّين هم المحتقرون . وهذه المقارنة الأولى
فقد مرت بالدين معظم التّهم لكن بسلامة
هي كالسماء وأرضها الحقراء.
الأرض بسكانها لفظت كل نتانتها وكل مستور من حقد دفين
لكن الدّين سماء لم تطله الأيدي القذرة
وهنا تظهر المقارنة الثانية .
الدّين كالشمس تعطي البهاء ولا تملّ
وكل من يسيء للدّين من أهل متأسلمون
وعدوّ حاقد لا تأثير له .
وهذه المقارنة الثالثة .
وكأن الشاعر يترجم لنا معنى هذه الآية الكريمة :
" إنا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون "
وهنا تظهر جليّا عاطفة الإيمان بحفظ هذا الدّين من الخالق وعاطفة الفخر بعلو مكانة
هذا الدّين .
سيل من التشبيهات البلاغية الموفقة
الدّين شبيهه السماء
المنافقون أرض نتنة
والفارق عظيم بين السّماء والأرض وهو نوع من التشبيه المفرد .
الدّين شمس معطاءة والبشر المرجفون
أرض قبيحة أخرجت على سطح الواقع
كل خبث ونتانة باطنة .
وفي المجمل فالصورة الكليّة للأبيات الأخيرة توحي بتشبيه تمثيلي شامل لكلّ
المقارنات التي ذكرتها .
وهنا تتعمق بؤرة النّص لتؤكد لنا
شكوى الشاعر مما آلت إليه إوضاع الأمة الإسلامية .
توصلنا الى انها قصيدة من الشعر العمودي
ذات عاطفة إنسانية وجدانية سياسية .وتبدو فيها التّجربة الشّعورية مع الأحداث المعاصرة واضحة جليّة . فقد رجعت للذاكرة كل ما فعله أعداء الدين بحق الرموز الدينية الإسلامية من طعن بسيرة الصحابة ونبي الله الذي رسموا كاريكاتيرات تشوه صورته إلى تمثيل الأفلام التي تسيء للرسول الأكرم وتشوه عقيدة الإسلام في الغرب والشرق .
وسيطرت على الشاعر عاطفة الغيرة على الدّين لهذا جاءت القصيدة للدّفاع عن الدّين وتبرئته مما ينسب إليه بسبب سوء أفعال
ممن انتسب لهذا الدين العظيم بالهوية فقط
بينما يتظاهر بمظاهر التّدين وجوفه فارغ من مضامين هذا الدّين .
ثم نقلنا معه فجأة الى عاطفة الكراهية لأعداء الدّين فعبر عن دهشته وتعجبه مما يحدث. فقال : عجبا لذي نور تراه على الدُّجى متكالبا تقتاده الأهواء .
يجدّد الشّاعر انتماءه لهذا الدّين
العظيم فالعلاقة التبادلية واضحة بين القضيّة التي يريد إيصالها للقارئ وبين ما يؤمن به من عقيدة واضحة المعالم . .
ولن أنسى أن أشير إلى موضوع صناعة الإرهاب الذي تم تسخيره من الغرب ونسبته إلى الدّين الإسلامي وإقناع اهله والعالم أجمع بأنه من صُلب عقيدة المسلمين .
كل هذا بمخططات عالمية لتدمير الإسلام
وإبادة أهله من أجل السّيطرة الدّولية على مقدرات المسلمين ومن اجل نشر العلمانية
الحديثة في ظل الحضارة الغربية الزائفة .
ألف شكر شاعرنا الفذّ أنور محمود السنيني على هذا الموضوع القيم ..الذي هو موضوع الساحة العربية والإسلامية والدّولية المعاصرة .
وهو موضوع شائك نتحاور به في واقع نعيش تفاصيله وعبر الصّحافة العربية والعالمية .
أتمنى أن أكون قد وفقت ولو بجزء بسيط
من حق هذا النص الأدبي علينا
أخيرا اشكر اخي الشاعر أديبنا البارع لأنه
أظهر لنا قضية غاية في الأهمية عبر قصيدة موزونة وبالفاظ في منتهى البساطة عبر الصور الشّعرية البسيطة ، واستطاع ان ينقلنا الى معالم معتقداته ومفاهيمه الإسلامية من خلال الأساليب الإنشائية المتعددة والمقارنات الواضحة .
وأودُّ التنويه إلى بعض القضايا الإملائية
والتي ورد فيها أمثلة في النص
وهي محصورة في كلمة فعليهمو في البيت الثاني ، وكلمة صدرهمو في البيت الخامس.
فقد أشبع الضمة وجعلها واوا في الكلمتين
وهذا غير جائز في قواعد الإملاء .لكن
أجاز اللغويون الإشباع في الشعر لأجل
ضبط التفعيلة الخاصة بالبحر . وبعد الرجوع للمراجع وجدتها كضرورة شعرية في الشّعر فقط . ومن أجل ضبط التفعيلة كان الأجدر بالشاعر أن يقول ( صدورهم ) بجمع كلمة صدر بلا إشباع للضّم وهنا تصبح التّفعيلة سليمة .
أما على طريقة الشاعر فتأتي تفعيلة الحشو
متٔفاعل . وهذا جائز في تفعيلة العجز .
وأودّ أن أشير إلى أن عملي النّقدي هذا هو مجرّد رؤية شخصية من هاوية تحبُّ النقد
ولم أتبع في نقدي مدرسة نقدية معينة ولا منهج نقدي محدّد .وهكذا احبُّ أن أسير بلا قيود وأنا اكتب دراستي ورؤيتي النقدية .
ألف شكر أديبتنا الراقية همسة عتاب وأديبنا الفذ الراقي أشرف سعد لهذا التّوجيه من قِبلكم .. كان معكم : خولة رمضان
ضمن فعاليات وبرامج مجلة همسات فوق اوراق الصّمت . ألف شكر اديبتنا الرّاقية همسة عتاب على هذا التّصميم للبرنامج .
ألف شكر لكل المتابعين والمتفاعلين .
كان معكم خولة رمضان .. تحياتي وقوافل الشّكر والامتنان .