الأحد، 31 مارس 2019

أفتش بين ردهات الروح للأديبة القديرة د. شيماء الفرة

أفتش بين ردهات الروح
عن ذاتي
أبحث عن نفسي القديمة
لعلني أجدها بين ثنايا الذاكرة
تغلفها الآمال والأمنيات
التي طالما حلمت بها
وبعثرتها في فضائي
لتصعد إلى فضاء السماء الرحب
استوطنتني الأشواق والذكريات والحنين
فإنطلقت الآهات وعلا صوت الأنين
بعد أن كان صوتا حبيس الصدر
انطلق كصوت مدوي
يملأ الأفاق شرقا وغرب
هل إشتقت إلى الأمس
أم تهت في دروب الحاضر والمستقبل
أمس خطته الأقدار
وحاضر وغد تمتزج به مشاعر الخوف والترقب
ما مر قد مر
بألمه وفرحه
شهده ومره
كل يوم يمر ربما لا يأتي الغد بأفضل منه
ولكن ما زالت تكسو وجداننا الأحلام
أحلام تحققت وأحلام ما زالت قيد الإنتظار
نحيا على أطلال الماضي وسعادة الأمس
ونرتاد دروب الإنتظار
إنتظار حلم الغد تنسجه شمس العمر
لعله يطوي صفحات الحزن
ويكفكف دمعة حزينة سالت على خد الأيام
د. شيماء الفره

الاثنين، 25 مارس 2019

نقد للأديبة همسة عتاب بقلمي خولة رمضان


          بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
   الرّؤية النّقدية المقدّمة من قِبلي خولة رمضان لنص {{ شـتـائـي هــذا الـعـام يـشـبـهــك }}  ) عبر برنامج في ظلال النّقد ....
          للأديبة المتألقة
    الرّاقية فراشة الجنوب وأميرة الهمسات  
    همسة عتاب.  الأديبة فاطمة الحلبي.

إلى عشّاق النّقد الأدبي

نجمة لمعت في سماء مجلة { همسات فوق أوراق الصّمت }وسماء مجلة كل الخواطر .
واسعدتنا براقي حروفها
وابهرتنا بزخات أقلامها وأسعدت جميع أعضاء منتداها وما بخلت على أحد يستحق التّكريم أو التّعليق .
فوجب علينا أن نهديها إهداء شرفيّا يليق بها وبعميم كرمها وعطائها  ....
وهو نقد لما أبدعت من سحر الخواطر 
اخترنا لكم هذا الأسبوع
خاطرة   {{ شـتـائـي هــذا الـعـام يـشـبـهــك }}     للأديبة سيدة الهمسات
همسة عتاب .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تحيّة إكبار وإجلال
من منبر  مجلّة همسات فوق أوراق الصمت
مجلة الأدب والفكر والثقافة أحيّيكم أجمل
تحية وأضع بين أيديكم هذه الرؤية
الموجّهة من قبلي خولة رمضان  لأديبتنا الراقية عن خاطرتها النثرية   (  {{ شـتـائـي هــذا الـعـام يـشـبـهــك }})  : 
            إليكم الخاطرة
            ‏
{{ شـتـائـي هــذا الـعـام يـشـبـهـك
كـيــف لـجـلـيـد شـتـائــي أن يـتـسـاقـط عـلـي نـافـذتـي
وأروقة عـطــري ، ومـعـطــف أيـامــي ، ومـظـلـة أحــلامــي
وأنــا بـداخـلــي بـراكـيــن حـنـيــن ،
و لـهــب إنتتـظــارٍ تُـصـهــر أجــزائـي فـيــدفـئـنــي ..!!
شـتــائــي هـــذا الـعـــام يـشـبــهــكـ ، دافــئ
بـدفء ذكـريــاتـي وطـقـــوس شـتـائـي مـعـك ،
كـلمـا غـفــت أشــواقــي
لـن تـغـفــو لـحـظـة عــن قـلـمــي ،
فـور إلـتـقـائـه بـمـحبـرتــي ابـجـديـتـه تـشـكــو الـقـحــط يـا غـائـب بـكـلــي عـنـــــي
فـيـعـود لـيـسـطـر إسـمـك ويـرسـم تـفـاصـيـلـكـ مـمــزوجـة بـأمـطــار هـيـامــي لـعـشــق سـامــي أحـتــل شـغــاف قـلـبــي وعـلـيـه أوصــده
تـغـالـبــه الأيــام مــدّاً وجــزرا . زلـــزل أركـانـــي
لـكـنّــه عـتـيــد قــوي مـنـيــع عـصــيّ
لـن يـبــرح لـعـيـنــي الـنـوم ولـن يـشـتـهــي إلا رواء دمـعــي للــورق .
هـكــذا شـتــائــي هـذا الـعــام .. جـــداً يـشـبـهــكـ
أعـشـقــه بــرغــم عــواصـف أقـــداري
بـرغـــم طـول إنـتـظــاري
تـحـمـلـنــي الـنـّـوارس إلـى شـطـآن بــلا مــرافــئ
فـأدعــو الله أن تـكـــون مــرفئي عـنــد عــودتــي .
بـعـد رحـيـلكـ جـفــت أحـبــاري وحـل مـحـلـهــا دمـعــي
أصـبـحــت مـديـنــة بــلا هــويــة
زرعــتُ بـأرجــائــي زهــرة حـنـظـلـيــة ، لـكــي يـفــارقـنــي الـجـمــيــع
ويــودع عــالـمــــي
<3 <3 <3 <3 <3
بقلمي
فراشة الكلمات وأميرة الهمسات
{ فاطمة الحلبي } .

نبذة عن حياة أديبتنا كما قالت عن نفسها

أنا مصريّة ومن أصول صعيديه
أقيم في جنوب مصر محافظة أسوان
ولكني لم أتمّ دراستي لأسباب خاصة
بالنّسبة لهواياتي :
هي كتابة الخواطر والشّعر الحرّ والأدب  والرسم على الزجاج إضافة للمشغولات اليدوية مثل مشغولات حلي للنساء .
حالتي الاجتماعية عزباء وليس لديّ مطبوعات .  لكنّي أتمنى أن يوفقني اللّه
لطباعة أعمالي في كتاب .

العنوان :
{{ شـتـائـي هــذا الـعـام يـشـبـهــك }}
يبدأ العنوان بالاسم شتائي
وهذا الاسم مبتدأ مضاف لياء المتكلّم
هو إذن شتاء مخصص بالإضافة لياء المتكلم .
ياء المتكلم تشير لياء إنسانيّة هي ذات الأديبة .
هي نظرة الشاعرة الخاصّة بالشّتاء.
نظرة رومانسية تجوب أرجاء الأديبة منصهرة في بوتقة أفكارها وإحساسها  الرومانسي نحو هذا الفصل المتصف بالعطاء.
فما هو الخبر الذي أقنعت به القارئ تجاه شتائها؟
الخبر جملة فعلية بقولها ( يشبهك )
الجملة باختصار : شتائي يشبهك .
فلمن يشير الضمير كاف المخاطب في يشبهك .
يشير الضمير لشخص له مكانة خاصة عند النفس الإنسانية التي تمثل الأديبة لا شك
أنه الشخص الأقرب لذات الشاعرة والذي هو بمثابة كينونة إنسانيّة محببة وستكشف لنا عباراتها اللّاحقة من هي هذه الكينونة .
وهناك جملة معترضة بين المبتدأ والخبر إنها
جملة هذا العام .

هل وُفقت الكاتبة في هذا العنوان ؟
بالرجوع إلى مائدة النص وعرض الأحداث والمشاعر نجد توافقا بينهما ..
فهناك عنصر مهم في العنوان . تفسيره
ما ورد في النص النثري من أفكار .
شتاء دافئ كدفء العلاقة مع الحبيب
توافق تام مع  كل ما له علاقة بمشاعرها في تلك الحالة الشعورية التي تعيشها .
افتقاد للحبيب الغائب وشوق للقاء طال افتقاده ...
وسنأتي على هذه الأفكار بالتّفصيل .

جوّ النّص
-----------
هل للشّاعرة نظرة خاصة بالشتاء في كل عام ؟
وجّهت سؤالي للأديبة فاطمة الحلبي فأجابت : نعم ، وتابعتٔ قائلة :
      للشّتاء مذاق خاص ونكهة خاصة في كلّ عام فلقد تعودّت أن أكتبَ عن الشّتاء في كلّ عام . .  تعودّتُ أن أعبّر بإيحاءت الشّتاء وأبجدياتة المتفرّدة الّتي تلازمه كل عام ، وهذا العام كان الشّتاء يشبه الحبيب في دفء مشاعره ورقّة عاطفته .
 

الشّكل البصري للنّص :
------------------
نص نثري على شكل خاطرة غير مقيّدة بالقوافي  .

نص وجداني إنساني اجتماعي  رومانسي
رمزي  يحمل أبعادا نفسية فردية  .

النّص إنساني انطلق من الذّات والنّفس التي تخص الكاتبة الى نفس كل قارئ لتلك السّطور  .... عاطفة إنسانية ... تكتنف جميع
النّفوس البشرية نظرا للعاطفة الوجدانية التي يشترك بها  الإنسان ...

دراسة للنّص : الصورة الكليّة
----------
ابتدأت الشاعرة بالحديث عن ذاتها بياء المتكلم المضافة للكلمات (شتائي ، نافذتي ، عطري ، احلامي ، أيامي ، داخلي )
فصل  الشتاء هو مصدر إلهام أديبتنا فاطمة الحلبي فصل رائع  موحي لكل نفس رومانسية وكل إنسان سويّ يرى في الطبيعة
إيحاءات جمّة لتسطير أجمل انواع الأدب .
تلك المشاعر التي ظهرت في خاطرة اديبتنا تنبع من الدّاخل ،  تتابعٌ جميل وفقا لدرجة توافق المواقف الشّعورية  مع حالتها النّفسية وذكرياتها في شتاء مضى  ودرجة إحساسها بالحنين والرومانسية تجاه الحبيب الغائب ...
هل. وُفّقتِ الأديبة بالتّعبيرعن ذاتها ؟
استطاعت الكاتبة  أن تنقلنا لحالتها الشّعورية من خلال انسجامها باستجلاب ذكريات الماضي التي مرتّ في فصول الشّتاء. الماضية . 
لكن ما الذي ميّز شتاء الأديبة فاطمة الحلبي هذا العام ؟
لننظر للعبارات  التّالية والتي تكشف ميزة هذا الشّتاء( بداخلي براكين حنين )
( لهيب انتظار يدفئني )
(شتائي ..دافئ بدفء ذكرياتي ) 

وهذا الحنين والانتظار وتلك الذّكريات هي ما تميز شتاءها  فالكاتبة تلقي بظلال
حالتها الشّعورية على الشّتاء .
استعارت الكاتبة  لأيامها في الشّتاء معطفا  واستعارت لأحلامها مظلة ولذكرياتها خصوصيّة الدّفء المعنوي من قبل الحبيب. 

إذن هنا بؤرة النّص الثابتة .
فقالت في هذا المعنى :
{{ شـتـائـي هــذا الـعـام يـشـبـهـك
كـيــف لـجـلـيـد شـتـائــي أن يـتـسـاقـط عـلـي نـافـذتـي
وأروقة عـطــري ، ومـعـطــف أيـامــي ، ومـظـلّـة أحــلامــي
وأنــا بـداخـلــي بـراكـيــن حـنـيــن ،
و لـهــب انتتـظــارٍ يـصـهــر أجــزائـي فـيــدفـئـنــي ..!!

اذن الكاتبة  تحسُّ بأهميّة هذا الشّتاء نظرا 
للدّفء المعنوي . فكيف وصلت للدّفء مع معرفتنا ببرودة جو الشتاء؟ 
جلبت لها ذكرياتها  الدّفء فهي كلما غفتٔ أشواقها لن تغفو عن قلمها فأبجدية قلمها تشكو القحط بغياب الحبيب ولكن
مجرد ان يسطّر القلم اسمه تستجلب أمطار هيامها وهي تلك النّعم التي لا تحصى  بانهمار المطر ( مع تذكر الحبيب )
والشّاعرة ترقبُ هذه الذكريات وتستلهمُ منها
حالتها وشعورها الوجداني.
صورة فنية تمثيلية فيها تشبيه وتشخيص
فشبهت حياتها بالسماء لها أمطار  كما الطبيعة فيأتي لهيب الانتظار لتستدفئ به   ...
هي صورة تترجمُ حالة الشخصية التي تترجم لها واقعها  وتقصدها اديبتنا  .
فقالت في هذا المعنى :
شـتــائــي هـــذا الـعـــام يـشـبــهــكـ ، دافــئ
بـدفء ذكـريــاتـي وطـقـــوس شـتـائـي مـعـك ،
كـلمـا غـفــتٔ أشــواقــي
لـن تـغـفــو لـحـظـة عــن قـلـمــي ،
فـور الـتـقـائـه بـمـحبـرتــي أبـجـديـتـه تـشـكــو الـقـحــط يـا غـائـب بـكـلّــي عـنـــّــي .
فـيـعـود لـيـسـطـر اسـمـك ويـرسـم تـفـاصـيـلـكـ مـمــزوجـة بـأمـطــار هـيـامــي لـعـشــق سـامــي أحـتــلّ شـغــاف قـلـبــي )

إضاءة على النّص
------------ 
        الشتاء مظهر من مظاهر الكون الواسع وهو صورة لرحمة اللّه تعالى بخلقه، وله دور مهم في حياة البشر، فهو يعني الحياة العطاء والخير العميم والخصب .
وورد ذكره في القرآن الكريم . فقال تعالى:
"وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *
والشعراء في تلك العصور قاموا بتوظيف مظاهر هذا الفصل  في أغلب الموضوعات كوصف المرأة وصفات الممدوح وصفات المرثي وصورة المعارك والحيوان.
وقد ورد ذكر الشّتاء بكثرة في القرآن الكريم بلفظ الماء والغيث مصدرا للفوائد الكثيرة،
واستمر الشعراء في ذكر هذا المظهر  في شعرهم حتى عصرنا هذا .
فقال نزار قباني يصف شتاءه  ” لا وسيلة للتدفئة سوى أن أحبك”، إذ وصف حبّه بفصل الشتاء كتقلباته النفسيّة العاصفة  فقال:
( وأنا أيضاً أريدُ أنْ أكونَ في عِشقي شتائياً، وانقلابياً، وعاصفاً
لا يقلقني الثلجُ، ولا يُزعجني حِصارُ الصقيعِ
فأنا أقاومُه؛ حيناً بالشِعر، وحيناً بالحبِّ
فليسَ عندي وسيلةٌ أخرى للتدفئة، سوى أنْ أحبَّكِ . )
أما الشاعر المصري صلاح عبد الصبور فقد كان الشتاء مصدرا لخوفه فقال  :
( ينبئني شِتاءُ هذا العام، أنَّني أموتُ وَحدي/ ذاتَ شتاءِ مثلّهُ، ذاتَ شتاءْ
ينبئني شتاءُ هذا العامِ أنَّ داخلي مرتجفٌ بردا وأنَّ قلبي ميتٌ منذ الخريف، قد ذوى حين ذوتْ، أولُ أوراقِ الشجر
ثم هوى حين هوتْ، أولُ قطرةٍ مِن المطر
و أنَّ كلَّ ليلةٍ باردةٍ تزيدهُ بُعدا، في باطن الحجر. )

نلاحظ اختلاف إحساس الشعراء نحو الشتاء فهناك من نصفُ عواطفهم بالسلبيّة حيث الخوف والبرودة والقشعريرة .مثل الشاعر صلاح عبد الصبور  وهناك من نصف عواطفهم بالإيجابية حيث الدفء والحب مثل الشّاعر نزار قباني .
  
فأين تقف أديبتنا همسة عتاب من هذا الإحساس في ايّ اتجاه نصنّف عواطف الذّات التي تتحدّث عنها ؟

كما قلت في المقدمة هي تستدفئ باسترجاع ذكرياتها حينما يعصف الحنين
بشعورها ، وكل عواطفها تتصف بالإيجابية .
‏والجديد في خاطرة  أ. فاطمة الحلبي
‏أنها لم تذكر المطر إلا مرة واحدة  والذي هو مظهر من خصائص فصل الشّتاء بل كررت كلمة شتائي .
   فذكرت فصل الشتاء على العموم مضافا لذات الأديبة . لقد جعلها الشّتاء أكثر رقة وجمالاً وقرباً ممن تحب ، وجعلها  أكثر شاعريّة ورومانسيّة، على الرغم من عدم اتجاه البعض لنفس الاتجاه إلا أن فصل الشتاء في الأدب العربي ارتبط غالبا بالتعبير عن الحبّ والرومانسية .

‏دراسة نفسية  لخاطرة أديبتنا :
‏----------------------------------
‏سأتعمق قليلا في بؤرة النّص الثابتة والتي
‏أدهشني فيها التكرار لجملة  ( شتائي هذا العام يشبهك ) فقد جعلت شاعرتنا الأضداد تلتقي لتؤكد مشاعر الدّفءالعاطفي فمثلا البعيد وهو ‏الحبيب ودفء عواطفه ضد الشّتاء المتصف بالبرد على سبيل الحقيقة وليس المجاز ،  والدليل أنها اعتبرت الشتاء شبيها بالحبيب من حيث الدّفء ، التقى الحبيب بالشتاء رغم البعد الحقيقي  ، هنا ندرك قيمة الرومانسيّة في تقريب الأضداد ، ولهذا التقريب بُعد نفسيّ بحثه علماء النّفس .
‏نلاحظ كيف اشتكت أبجديتها القحط نظرا لغياب الحبيب ، فكان لغيابه أثر في قحط أبجديتها وجفاف حروفها لكن ما الذي أنقذ الأبجدية وجعلها تتغنى بالحبيب وترسم اسمه وتفاصيله بعد القحط الذي ذكرته؟
الجواب في هذا المقطع من خاطرتها :
(... ممزوجة بأمطار هيامي لعشق سامي
احتلّ شغاف قلبي وعليه أوصده تغالبه الأيام مدا وجزرا زلزل أركاني لكنّه عنيد قويّ )
لاحظوا الإجابة :
قالت انها تعود تسطّر التّفاصيل ممزوجة
بأمطار هيامها لعشق سامي احتلّ شغاف قلبها وأوصدته بما فيه من هيام وشغف وعشق .

وورد في معجم لسان العرب ما يأتي :
"العِشْقُ فرط الحب وقيل هو عُجْب المحب بالمحبوب يكون في عَفاف الحُبّ ..."
وذكرت الكاتبة ايضا كلمة الشغف
فما هو الشغف ؟

يقال أن كلمة "شغف" أتت من "الشغافة"، والشغافة هي غِلاف القلب. وفي هذه الدرجة الأولية من الحبّ، يدخل الشّخص إلى القلب من خلال الشّغافة. قال ابن عباس في ذلك: دخل حُبُّه تحت شغاف قلبها.
أعلنت الشخصية التي تتحدث عن ذاتها في الخاطرة النثرية عن عشقها ولكن قرنت العشق مع المطر . فجعلت الشاعرة للهيام مطرا يروي جفاف وقحط الأبجدية .
استخدمت التشبيه على سبيل الاستعارة
فشبهت الهيام بالسماء والغيوم حينما تأتي بالمطر .
صورة مجزّأة تحمل الطابع النّفسي لحبّ خجول يأتي عبر رموز  العشق والهيام والشغف ..بلا أوصاف تُذكر .
إذن كلما حرّكتٔ قلمها   هاجت أمطار هيامها   وانتشت أبجديتها بذكر تفاصيل الحبيب  .

أيُّ حب عذري هذا  ؟ تتحدث عن حب غائب بعيد .. تتلمسه عبر محطّات وتصوُّرات
وجدانية خياليّة ... ولم تلجأ لأيّ صورة  من
صور الحبّ الصّريح إلا في كلمة شغاف وكلمة عشق وهيام  .

ما دلالة المد والجزر في وصفها ؟
تريد أديبتنا أن تؤكد أنّ حبَّها عنيد وقويّ
والأيام تعاند الحب كماء البحر مدّا وجزرا
دلالة على المصاعب الخارجية التي تحارب
هذه العواطف والمشاعر الصادقة.
ولكن هل اقتلعت هذه التّحديات حبّها ؟
بالطبع لا فهو تحت شغاف القلب موصد الأبواب . صورة أدبية موحية بثبات الحبّ
فهو عنيد قويّ عنيف عصيّ .
وعدم تأثره بالمحيط الخارجي والتّحديات .

تؤكد أديبتنا جفاء النوم واشتهاء دمعها لأوراقها كناية عن حمىّ الانتظار التي تؤرّق منامها .. فتقطف ثمار سهرها بأن يرتوي الورق بدمعها كناية عن أن حروفها تغلف
بدمع عينيها فهي حروف رومانسية جاءت
مع الذّكريات والحنين وتداعي حروف العشق
والهيام.

وقد جاءت التّحدّيات على شكل عواصف
جلبها القدر متبوعة بطول الانتظار ، لكن
الحبّ صامدٌ ثابتٌ دافئ كالحبيب فبقي شتاء الأديبة متشابها مع دفء الحبيب رغم
طول الانتظار ..
فقالت في هذا الىمعنى :
( هكذا شتائي هذا العام حبٌّ يشبهك ، أعشقه برغم عواصف أقداري ، برغم طول انتظاري. )

كيف تكون حياة ذات الأديبة بعد رحيل الحبيب ؟
حياة بلا أمان . بلا استقرار عاطفي
لكن ما الدليل ؟
قالت  :( تحملني النوارس إلى شطآن بلا مرافئ فأدعو الله أن تكون مرافئ عند عودتي بعد رحيلك .. جفّت أحباري وحلّ محلها دمعي. )
في نظري الشطآن تتصف بالأمن حين يكون لها مرافئ.
أما الشطآن التي بلا مرافئ فهي تفتقد الأمان .
إذن الأديبة رغم ثبات حبّها لكنها تعيش في جو غير آمن ، وشبهت حالها بحال الشطآن
غير الآمنة لأنها تفتقد المرافئ.
كيف أرست الشاعرة حبها ؟

أرسته باللجوء للّه والدُّعاء أن تتلمس الأمن بعد عودتها من وداع الحبيب .
صورة فنية موحية وخصوصا حينما نعرف أن أحبارها  جفّت وروتٔ أبجديتها بالدّموع .

أما التشبيه الموحي بحال الأديبة بعد وداع الحبيب فهو قولها :
أصبحت مدينة بلا هويّة .
صورة أكثر إيحاء بأنّ الأديبة فقدت السيطرة
ولم تعدٔ قادرة على تحمّل غياب الحبيب رغم ثبات الحبّ في النفس ، لأنّها تفتقد صفة المواطنة المعترف بها ، مدينة بلا هوية ..  تشبيه مفرد كناية عن ضياعها بغياب الحبيب ، لم تعد تمتلك التعريف بشخصها.
لأنّ وجوده يعطيها هويّتها .
إذن هذا تشبيه مجازي بأنّ الحبيب كالوطن .
يمنحها هويّتها كإنسانة. .

فهل تستطيع العيش بدونه ؟
اكتفت بحبه ، فزرعت زهرة مرّة كالحنظل
‏وهو نبات مرّ الطعم  كناية عن إصرارها على توثيق عُرى الوفاء والحبّ ، فلن تسمح بأي بدائل أخرى .
من بعد الحبيب فقالت في هذا المعنى:
زرعــت بـأرجــائــي زهــرة حـنـظـلـيــّة ، لـكــي يـفــارقـنــي الـجـمــيــع
ويــودع عــالـمــــي .

أي إخلاص هذا أيتها الذّات البشريّة ، ؟  وخصوصا بعد معرفتنا برحيل الحبيب .
ولكنّنا لا نعلم أسباب البعد
لم تذكر شيئا أديبتنا يفصح عن سبب الرّحيل . هي تتحدّث عن شريحة كبيرة من النّساء . فتشير لرحيل الأزواج طلبا للعمل
في أماكن بعيدة  وطلبا للرزق . إذن هي قضيّة إنسانيّة ومجتمعيّة ..
أم شيء آخر اللّه أعلم ..

العاطفة والخيال :
وردت عدة صور شعريّة تدلُّ على  تشبيهات واستعارات وكنايات وقد أشرت إليها سابقا وسأضطر للاختصار لأني أطلت على القرّاء .
أمّا العواطف فهي أيجابية في النصف الأول
ثم انعطقت نحو السلبيّة في حديثها عن فقد  الأمان . وأنها فقدت هويتها بعد رحيل الحبيب.

الرّمزية في النّص
--------------
لجأت أديبتنا في خاطرتها لمجموعة من الرُّموز الفكرية لإخفاء عاطفتها بثوب الخجل والعفّة التي تميّز المرأة الشّرقيّة .

بداية الأمر لجأت لرمز الدّفء ، وهذا الرّمز
‏دليل القرب النّفسي والمعنوي .

‏ثم انعطفت لرمز القحط الذي نسبته للأبجديّة ، وهو رمز لبعد الحبيب ورحيله الحقيقي فتأتي الذكريات لتعيد نشاط القلم
‏وتمحو الجفاف الذي يكتنف التعبير .

‏ثم انعطفت لرمز الشّغاف دليل على ثبات الحبّ وقوته وعدم رضوخها لعواصف الأقدار ببعد الحبيب.

‏ثم انعطفت لرمز إرواء دمعها للورق
‏وهذا رمز نفسي لما تجده في نفسها من قلق وعدم قدرة على نسيان الحبيب .. ورمز للمعاناة القاسية في غيابه. رغم ثبات الحبّ الذي يمطر على أبجديتها أنتعاش الحروف من القحط .

‏أمّا عواصف الأقدار فهي رمز للصعوبات التي تواجهها في بيئتها ، فهو جوٌّ عام مشحون بالعداء لحبّ المرأة الشرقيّة وقمع لعواطفها ، ‏وتهشيم لانطلاقة المرأة في مجتمع لا يبيح للمرأة هذا الحق.

‏شطآن بلا مرافئ رمز لفقدان الأمن المجتمعي الذي يحيط بالمرأة الشرقية ويقزّم عواطفها ويجعلها تلجأ للتخفّي .

‏أما النّوارس فهي رمز للعلاقة التي تربط المرأة الشرقية بمن حولها من أهل وأقارب
‏وأصدقاء يحاربون انطلاقات المرأة في مجتمع قسا عليها وحكم عليها أن تعيش
‏منبوذة في شطآن بلا مرافئ تفقدها الأمن ..

‏مدينة بلا هوّية  رمز لقهر المرأة وخضوعها
‏لممارسات الأهل والمجتمع الذي يفرض سيطرته بالكامل على المرأة فتبقى حبيسة
‏وحدتها تتزوج قسرا من رجل لا ترغب به   فتنذر نفسها للحبيب روحيا دون لقاء
‏مفترض على أرض الواقع .

‏الزّهرة الحنظلّية رمز للمرارة الّتي تجدها
‏المراة في روحها بفقد الحبيب وابتعاده
‏عن حياتها لتعيش في بؤس القيود المجتمعيّة والأسرية محاطة بأسوار النّفس .
‏وعدم رغبتها في استبدال ما خفي من مشاعر مأسورة في قفص الوحدة كدليل على نهاية مأساوية لمشاعر المرأة . وقتل لأجمل ما وهبها الله من رقّة ونبل اخلاق لحبًّ عنيد ورغم عنفوانه وقوته وثباته
‏لكنها تخضع لحكم المجتمع وتقليصه لدور المرأة وحقها في الارتباط بمن تحب .

الأدب النّسوي المعاصر :
----------------------
هذا هو الأدب النّسويّ إن جازت لنا التّسمية
هو دفاع عن حقوق المرأة لكنه دفاع مخفيّ  وربما كان الرّحيل المشار إليه في النّص قضية أخرى تضاف لقضايا المرأة حينما تنفصل عن زوجها أو خطيبها أو حبيبها الذي وعدها بتحسين ظروفه المعيشية مجبرا للعمل في مكان آخر .. وربما تظطر للزواج بغيره تحت ضغط الأهل ..

البؤرة المتحولة
-------------
نلاحظ انعطاف موقف الأديبة نحو السلبيّة وزعزعة الأمن النّفسي وغياب الحبيب الذي أفقد الأديبة هويتها وعنوانها كل هذا يعتبر ثباتا في مواقف الشاعرة ، رغم أنّ أحدهم قد يراه نكوصا وانجرافا واستسلاما لحكم العادات والتقاليد في مجتمع قاس .
أنظروا كيف انعطفت أديبتنا نحو السلبية
رغم ثبات الحب. فإن هذا يعتبر تحوّلا جذريّا
في البؤرة الثابتة كشهاب انعطف فجأة فأفسد ما كان صلدا .
مرجحتٔنا الأديبة بين الثّبات والتّحول .  وتركتنا ننتظر المزيد من العواطف والمواقف لنشعر بجمال الخاتمة حينما قاومت كل مظاهر ظلم المجتمع الشرقي للمرأة ولكنها عاشت اخيرا في قمقم الوحدة والتّعاسة  .
نلاحظ  عنصر التّشويق الدّرامي وكأننا في قصة بين قلبين حكم عليهما بالافتراق
عنوة نظرا للموروثات المجتمعية والأسرية
ونظرا لسيطرة العنصر الذّكوري وإخضاع المراة له قسرا. ولكنّ الذات في الخاطرة  ثبتت وما زالت قيد الانتظار لتوثيق عرى الحبّ رغم قسوة الظروف .
.

أشكر أديبتنا الغالية فاطمة الحلبي على أدائها الرائع في خاطرة رمزيّة رومانسية اجتماعية جميلة ، تحمل طابع المفاجأة فكان الانتقال المفاجئ من الثبات والقوة لموقف فقدت فيه هويتها وعنوانها .. مما اضطرتها الظروف المجتمعية لزراعة وردة  حنظلية كناية عن مناشدتها للوحدةوالانفراد والعزلةعن الآخرين..وربما الخضوع لسطوة الأهل والمجتمع ، وتجرُّع مرارة الصّبر على الفرقة وكبتٔ مشاعرها  رغم قوّة الموقف الأدبيّ وثبات عواطفها في ثوب الطُّهر والعفّة والحبّ المكبوت .
ألف شكر أديبتنا على هذا النّص الغنيّ بالعواطف الحيّة والثبات على الموقف
رغم ما واجهتِ من مرارة الظُروف المجتمعيّة القاسية .

أخيرا ..
أديبتنا الغالية همسة عتاب
هذا الجهد هدية منّي خولة رمضان لرائع عملك المضني في خدمة أعضاء المجلة ورفع شأن الأدب والأدباء من على منبر همسات فوق أوراق الصّمت. تحياتي العطرة
تستحقين أكثر من هذا أديبتنا الغالية ولكنّي
أطلتُ على القرّاء ففضلت الاختصار ، سلمك اللّه ورعاك إلى ما فيه الخير والفلاح في الدّنيا والآخرة. ألف شكر لطرحك قضية امرأة تمثّل قضيّةأغلب نساء المجتمع الشّرقي ، رغم أنّ الإسلام أعطى المرأة حقوقها كاملة ، لكن هناك بيئات مازالت
تقلّص حقوق المرأة وتهضمها ، بعكس بيئات
أخرى تركت الحريّة مفتوحة أمام المرأة
فانطلقت أكثر من اللازم ، وهذا موضوع شائك يحتاج للمزيد من النقاش.

وإلى لقاء في قصيدة جديدة .
نستودعكم الله ودمتم طيبين
برعاية مجلة همسات فوق اوراق الصمت
‏مجلة الرقي والثقافة والأدب  .
تحياتي أديبتنا الفاضلة ا.فاطمة الحلبي 
‏ أشكرك  اديبنا الفاضل أ. أشرف سعد المنسق العام للبرامج الثقافية .
   ألف شكر وتقدير أديبتنا  الألقة  همسة عتاب مشرفة البرامج الثقافيّة في مجلة همسات فوق أوراق الصّمت .
   ‏تحيّاتي لكل الإداريين والأعضاء والقرّاء بالمجلة .

مع أجمل التّحيات لكلّ المتابعين

        بقلمي خولة رمضان