بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الرّؤية النّقدية المقدّمة من قبلي خوله رمضان لنص :
( مثل حقّي لا يضيع ) عبر برنامج في ظلال النّقد .
للأديب المتألق الشّاعر السّوداني :
بشير عبد الماجد بشير
ضمن برامج مجلة همسات فوق اوراق الصّمت اخترنا لكم هذا الأسبوع
نصّا شعريّا بعنوان :
{ مثل حقّي لا يضيع }
للأديب الشاعر السوداني المتألق :
بشير بشير
وإليكم الرّؤية المبسطة وما يختبئ وراء الرُّؤية من ظلال وانعكاسات .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أعزائي المتابعين
لمحة عن حياة الشاعر كما ذكر عن نفسه
السـيـرةٌ الذّاتـيـَّةٌ :
الاسـم بـشـير عـبد الـماجـد بـشير أحـمد الـجعـلي
الـميلاد الـمتمَّة 15/12/1939م
الـمؤَهِّلات:-
• ليسانس آداب من جامعة القاهرة فرع الـخرطوم-قسم الُّلغة العربيَّة
* مـنحته جامعة أُم درمان الإسلاميَّة درجةَ الـدِّكتوراة الفخريَّة في مجال التَّربية
2005م
الـخبرةُ الـعمليَّةُ
عـمل معلماً لُّلغة العربيَّة
1980-1985
• بعد بلوغه سنَّ المعاش عمل أُستاذاً مساعداً لتدريس اللُّغة العربيَّة بكليَّة التَّربية جامعة أُم درمان الإسلاميَّة
• اشترك في تأليف كتب القراءة للمرحلة المتوسِّطة
• اشترك في تأليف كتاب البلاغة للمرحلة الثَّانويَّة بولاية الخرطوم
• اشترك في تأليف كتاب (التَّربية الثقافيَّة) الصَّادر عن وكالة النَّشاط الطُّلَّابـي
• اشترك في وضع منهج كليَّة التَّربية بجامعةالقرآن الكريم
-2005
# خلال عمله بوزارة التَّربية والتَّعليم اشترك في العديد من المؤتمرات
والِّلجان الفنيَّة الّتي كونتها الوزارة•
لـه عـددٌ من الدَّواوين الشِّعريَّة الـمخطوطة منها:_
* أصداءٌ وأشواق
* أُغـنيةٌ للمحبوبِ الـجافـي
*خـفقةٌ أُخـرى
* مع الأحبابِ الـراحلين
* تـرانـيـم .
إليكم النّص :
مـثـلُ حَـقِّي لايَضِيع
***********
شَـوقُ الـعُيونِ ..
بِـوجهكِ المهزومِ بالـحُبِّ ..
الـمُصَفَّدِ بالـعِنادِ ..
يُـثيرُني .. ويُريحُني .. ويَغيظُني
ويُذيبُ في تلكَ الشَّرايين ..
اليَبِيسَةِ كُلِّها ..
دَفْـقـاً من الإحساسِ ..
بالأمـلِ الـمُوشَّحِ بالـحَنينْ .
وتلوحُ في عينيكِ آلافُ الـوعودِ
وتَقْصِفينَ رِقابَها ..
وتكابرينَ .. وتُنكرينْ ..
وتَـزْعُمينَ بأَنَّني مُتَوَهِّــمٌ ..
والـوَهْـمُ يَحمِلُني ..
على تفسيرِ وَمْـضٍ في الـعيونِ ..
بغيرِ ما هـوَ في حقيقتِهِ يكـونْ .
ما واهِـمٌ أنا يا حَبيبةُ ..
واسـألي عينيكِ عنِّي ..
هل كذبتُ عليهما يوماً ..
وهل غَنَّيتُ إلَّا للـهَـوى المخْـبوءِ ..
والمقْهـور في أعـماقِ قلبِكِ ..
حينَ يفضَحُهُ الـبَريـقُ ..
إذا التقتْ منَّا الـعيونْ .
أنا عاشِـقٌ لكِ ..
لا أطالبُ بالمُـحالِ ولا العسيرْْ
وإنَّما حَـقِّي أُريـدْ ..
ولَـسَوفَ آخُـذُهُ .. ولو طالَ الـمِطَالُ ..
وليسَ يَصرِفُني الًّصُّدودُ ولا الـجَـفَاءْ
وإنَّ حَـقَّـاً مثْلَ حَـقِّي ..
لا يَـضيعُ ولا يَـهُـونْ .
حَـقِّي لَـديكِ مَـشاعـري ..وعـواطِفي ..
وجَـميلُ شِـعْري ..والمُنَى .. والـذِّكْرياتْ
وكلُّ أشـواقي إليكِ ..
وحُـسْنُكِ الـنَّشوانُ من خَـمْري ..
وأعْـوامي الّتي في ظِلِّ حُـبِّـكِ أزْهَـرت ..
ودُمُـوعُ عَـيْـني والـشُّـجـُونْ .
والـحُـبُّ أقوىُ ..
من عِـنادِ جميعِ أهْـلِ الأرضِ ..
والـصَّبْرُ الـجميلُ عليكِ ..
زَادِي في مَتَاهَأت الـدُّروبْ ..
ولن أُتِـيحَ لِـغـيرِ آمـالي ..
تُحَـلِّـقُ في سَـماءِ الـهَـجْـرِ ..
مهما أكَّـدتْ مَحبوبَتي ..
أنْْ لَنْ تلينْ .
***
بشير عبد الماجد بشير
السودان
من ديوان ( كتاب الوهم )
الرّؤية البصريّة للنّص :
نص شعري من الشّعر الحر ( شعر التّفعيلة )
وهو قصيدة شعرية وجدانية إنسانية اجتماعية رمزية . بطابع نفسي .
- نبدأ من العنوان
أولا : نخترق أسوار هذا النص المنيع
عبر العنوان ودلالاته:
( مثل حقي لا يضيع )
العنوان عبارة عن جملة اسمية خبرية تبدا بأداة التشبيه :مثل للدلالة على المبتدأ .
وكأنه يقول : حقّي لا يضيع
وأظنّ أنّ كلمة مثل زائدة لم تضف للمعنى شيئا . لكن هناك دلالات معنوية
الدّلالة الأولى :
كلمة مثل أضافت لحقّ اديبنا خصوصية
الثّبات ومنع الشّك في الخبر .
ثانيا : اضافة الشّمولية ّلجميع من له حقّ مشابه
بمعنى أنّ لكلّ هؤلاء حقوقا إنسانية ستتحقق عاجلا ام آجلا رغما عن كل الموانع
سترغم على المثول بين أيدي أصحابها .
إنها حقوق ربانية استمدت كيانها من الحقائق الخالدة في المعاملات الإنسانية الممثلة في تحقيق وعود نظام الكون البشري .
والكاتب هنا كائن إنساني تظهر صفات كينونته من تراسل الضمائر في الجملة الخبرية . مثل :
- ياء المتكلم في حقي
- الضمير المستتر قي يضيع وتقديره هو يعود على الحق ، الملكية الخاصة بالشاعر وجنسه البشري .
نفي الضياع عن الحق بلا النافية إشارة إلى الحق المؤكد والذي لا شك فيه .
سنتعرف على هذا الحق عبر تحليل النص.
الصورة الكلية للنص :
نص شعري يقوم على وحدة التّفعيلة ، نص إنساني وجداني يميل إلى الرّمزية عبر مجموعة من رموز العقل الباطن والمتمثلة في محاكاة أعماق النّفس البشريّة .
هناك استقصاء وولوج عبر قراءة لغة العيون وتوافد سيل من الذّكريات والعواطف والأشعار والمنى .
كل ذلك حبلٌ جرّار من المشاعر المقدّسة
التي لن ينكرها احد .
وكأننا أمام طبيب نفوس يداوي داء الهجر والبعاد بسبر أغوار نفس الحبيبة وتذكيرها بماضيه معها ..
فهذا الصّبر على الحبيبة سيستمر . وعنادها لن يدوم ، وإرادة الشاعر فوق الأوهام ولن يذهب صبره عليها سدىّ ..
فهناك عاشق واثق من خطواته وحديثه .
إنه كائن متمكن من حبه يبرمج خطواته من معطيات العاطفة التي تسيطر على كلماته من بداية النّص إلى خاتمته .
ففي البداية :
ابتدأها بعاطفة الحب الموشاة بالحنين والأمل وقد استمدها من شوق العيون .
وسبر أعماق نفس الحبيبة عبر لغة العيون.
فقد رأى المكابرة والعناد الذي يقوّي موقف حبيبته لتنعته بأنّه واهم في الحبّ .
لكن عواطفه ليست سهلة ، إنها سيل جارف من الإصرار عالحبّ ، فقد قرأ في عينيها حبّها المخبوء والمقهور لأسباب ربما أسريّة او اجتماعية أو دينية . رغم إنكارها لكنّ قراءته لما تخبّئه من حبّ دفين شيء ليس مشكوك به في نظره.
إضاءة على النّص
ما هو الحقّ الذي يطالب به ؟
حقه في الحبّ المتبادل
لا يريد لأحد ان يقمعه سواء كانت أسرة أو مجتمع . فالحبّ لن يموت بسبب التمسك بالعادات والّتّقاليد التي تحدُّ من حريّة المرأة في الإعلان عن حبها .
اديبنا قوي بإرادته التي لا يزلزلها إنكار الحبيبة وتعرضها للضغوطات المحيطة .
هو بطل من أبطال الصمود العاطفي ، ويرى أن الحبّ ليس من حقّ أحد ان يوقفه فهو كالسيّل الجارف يبدا بقوة ويزداد إلى مالا نهاية .. ولن يوقفه الخوف او التيارات المضادة من سيطرة العادات والتقاليد .
إصرار لنصرة العاطفة الجياشة التي سيطرت عليه واستخراجها من عقلها الباطن عبر سيل من اللغة المقروءة في عينيّ الحبيبة .
الشعر الحرّ :
قصيدة الشّعر الحرّ ، تعتمد على وحدة التفعيلة المستقاة من بحر واحد أو بحرين
من نفس الدائرة العروضية . ولا يشترط الالتزام بقافية واحدة . وربما يلجأ الشاعر للقافية او لا يلجأ ، ويختلف عدد التفعيلات في كل سطر وفقا للتدفق الشّعوري .
سنطبق هذا التعريف على بعض الاسطر :
شَـوقُ الـعُيونِ .. --ب- / ب
متفاعلن
بِـوجهكِ المهزومِ بالـحُبِّ ..
ب-ب-/ --ب -/-ب
متفعلن / متفاعلن / ..
دَفْـقـاً من الإحساسِ ..
--ب- / --ب
متفاعلن / متفاع
نلاحظ تكرار تفعيلة بحر الكامل (متفاعلن )
والتي أضفت على القصيدة نغمة وحدة التفعيلة رغم خروجه لتفعيلة أخرى تكررت بشكل ملاحظ وهي تفعيلة مستفعلن وجوازاتها والتي يشترك فيها البسيط والسريع والرّجز .
اما الموسيقى فقد التزم بنهاية اغلب المقاطع بوزن ثابت على وزن فعول وفعيل مثل :
حنين ، يكون ، العيون ، يهون ، الشجون ، تلين .
هذا السجع اعان في إضافة نغمة الموسيقى الخارجية وجمالية تتابع نغمة التّفعيلات.
البؤرة الثابتة
منذ المقطع الأول نمسك بالخيوط التي جعلت للنّص قضية يتبناها الشاعر .
فالشاعر يقرأ لغة العيون بدقة ، وعيون الحبيبة تقول غير ما هو ظاهر للجميع .
هناك خفاء لم يحسّ به أحد سوى الحبيب .
وعلى هذا الأساس تسير لغة القصيدة .
وهي القضيّة التي يتبناها الشّاعر .
والدليل قوله :
شَـوقُ الـعُيونِ ..
بِـوجهكِ المهزومِ بالـحُبِّ ..
الـمُصَفَّدِ بالـعِنادِ ..
يُـثيرُني .. ويُريحُني .. ويَغيظُني
ويُذيبُ في تلكَ الشَّرايين ..
اليَبِيسَةِ كُلِّها ..
دَفْـقـاً من الإحساسِ ..
بالأمـلِ الـمُوشَّحِ بالـحَنينْ .
الحبيبة لا تعترف بإحساسها بالحبّ
بل تعاند وتكابر ، والحبيب يشعر بهذا العناد فتتولد في نفسه مجموعة من الأحاسيس
المتضادة بدليل هذه الكلمات :
- يثيرني : عاطفة الاستنكارعلى شكل ثورة
- ويريحني : عاطفة الهدوء والسعادة الناتجة عن القناعة بضرورة تبدّل موقف الحبيبة .
- ويغيظني : عاطفة الشّعور بالمسؤولية نحو
هذا الحبّ الدّفين .
ما العاطفة التي تولدت لدى الشاعر بعد أن أحسّ بما تخبّئه لغة عيون الحبيبة . ؟
نلاحظ الأمل والحنين الذي اظهره الشاعر منذ المقطع الاول .
الشاعر يأمل بمتابعة الحبّ ، ويتملّكه الحنين للمحبوبة لتكون قويّة في الجهر بحبها المخبوء.
هذا المقطع بدأت من خلاله البؤرة الثّابتة بالظّهور ، يريد أن يذلّل الظّروف المحيطة بالحبيبة، فقد تبدّلت أحواله ، وتدفّقت في شرايينه الجافّة شتى الأحاسيس الدالة على انتعاش الحبّ .
ّ
البؤرة المتحوّلة
والّتي نلحظها من خلال :
الدّفاع عن حقيقة حبه والتّأكيد على قيمة هذا الحبّ . وأنّه ليس واهم كما تدّعي الحبيبة .
هذا الدفاع نلمح فيه الإصرار وتقديم البراهين والأدلة .
فقال في هذا المعنى على سبيل المثال :
ما واهِـمٌ أنا يا حَبيبةُ ..
واسـألي عينيكِ عنِّي ..
هل كذبتُ عليهما يوماً ..
وهل غَنَّيتُ إلَّا للـهَـوى المخْـبوءِ ..
والمقْهـور في أعـماقِ قلبِكِ ..
حينَ يفضَحُهُ الـبَريـقُ ..
إذا التقتْ منَّا الـعيونْ .
أنا عاشِـقٌ لكِ ..
لا أطالبُ بالمُـحالِ ولا العسيرْْ
وإنَّما حَـقِّي أُريـدْ ..
ولَـسَوفَ آخُـذُهُ .. ولو طالَ الـمِطَالُ ..
وليسَ يَصرِفُني الًّصُّدودُ ولا الـجَـفَاءْ
وإنَّ حَـقَّـاً مثْلَ حَـقِّي ..
لا يَـضيعُ ولا يَـهُـونْ .
حَـقِّي لَـديكِ مَـشاعـري ..وعـواطِفي ..
وجَـميلُ شِـعْري ..والمُنَى .. والـذِّكْرياتْ
وكلُّ أشـواقي إليكِ ..
وحُـسْنُكِ الـنَّشوانُ من خَـمْري ..
وأعْـوامي الّتي في ظِلِّ حُـبِّـكِ أزْهَـرت ..
ودُمُـوعُ عَـيْـني والـشُّـجـُونْ .
والـحُـبُّ أقوىُ ..
من عِـنادِ جميعِ أهْـلِ الأرضِ ..
والـصَّبْرُ الـجميلُ عليكِ ..
زَادِي في مَتَاهَأت الـدُّروبْ ..
ولن أُتِـيحَ لِـغـيرِ آمـالي ..
تُحَـلِّـقُ في سَـماءِ الـهَـجْـرِ ..
مهما أكَّـدتْ مَحبوبَتي ..
أنْْ لَنْ تلينْ .
فهل نجح شاعرنا في تأكيد هذا الحب المتشح بالوقار وكبرياء النفس ؟
نعم استطاع أن يلوّن عباراته ويلبسها شتى الأساليب الخبرية والإنشائية الدالة على قوة حجته .
-يغني للهوى المقهور في أعماق قلب الحبيبة .
-الذّكريات والدّموع وسنوات العمر المزهرة .
- عدم الاستسلام لجفاء المحبوبة .
- الصبر والأمل الذي رافقه طيلة المحنة التي واجهها مع الحبيبة .
وغير هذا الكثير ..
البلاغة .. والخيال
هنا تكمن البلاغة في أجمل صورها في قصيدة شاعرنا
وهي جزء مهم في تصوير ملحمة التّحدُي والإصرار ، وإثبات الحقّ الذي لن يتنازل عنه الشّاعر .
البلاغة هنا متكاملة وكأنها وحدة واحدة لا انفصال بينها .
خيال الشّاعر يختصّ بالمشاعر الإنسانية وسبر اغوار النّفس البشرية والولوج للعقل الباطن لتظهر عواطف الحبّ على سطح الصّورة البلاغية .
في البداية صور اديبنا الحبّ بالمعركة والوجه هو الطّرف المهزوم بسبب العناد المستمر والذي قام بتصفيد وجه الحبيبة .
أي جمال أكبر من هكذا صورة حديثة لم يتطرق لها الشعراء من قبل .
هكذا معركة المنتصر فيها بالنهاية هو الشّاعر .
فقد استُثير ووصل لدرجة عالية من الراحة رغم الغيظ الذي رافقه بعد مواجهة شبه عسكرية مع الحبيبة .
وكانت النتيجة عاطفة التفاؤل والحنين التي تغلغلت في شرايينه اليبيسة .
هو الطّرف الرابح في نهاية المطاف.
كم كانت النتائج محملة بالوعود تشاهدها الحبيبة وكأنما وعودها تشبه جسد كائن بشري .
تشبيه الوعود بالبشر ولها رقاب وتقوم الحبيبة بهجمة شرسة عنيفة لقصفها .
أيُّ جمال أكثر من هكذا هجمة مرتدة.
تجسيم وتشخيص المحسوسات وإضافة جماليات المكابرة والرفض وزعم ما هو غير صحيح في نظرها في محاولة للنّصر عليه قبل أن تفلت الأمور من يديها .
محاولات مستمرة لإثبات وهم الحبيب وأنه غير واقعي في تفسير وميض عينيها . فهنا مجاز مرسل ويعني به اسألي نفسك .
محاولات عدّة من الطرفين في حرب نفسية شرسة استخرجا سلاحها من داخل النّفس وما ظهر منها في وميض العيون .
وكيف واجه شاعرنا هذه الهجمة من الحبيبة ؟
هل استخرج من باطنه سلاحا أقوى ؟
الجواب : لا ، طبعا .
والدليل أّنّه لجأ للنّفي ( ما واهم أنا يا حبيبة )
هي لهجة المحب حينما يعيد الذّكريات ويبدأ بترتيب بنود جلسة العتاب بطريقة تختلف قليلا عن الحرب .
يودُّ شاعرنا ان يستميل عواطف الحبيبة لتغيّر نظرتها لحبه .
لاحظوا معي كيف بدات ضمائر المتكلم في الظهور بقوة مثل : انا ، عنيّ، كذبتُ غنيّتُ ، منّا .
هذا هو سلاحه الجديد .
للّه درُّك شاعرنا القدير.
استمرت دفاعاتك لكن بطريقة جديدة فيها استعطاف وتأكيد مثل :
ما واهم أنا يا حبيبة
اسالي عينيك عنّي
انا عاشق لك
لا اطالب بالمحال
وإنما حقي أريد
ولسوف آخذه ولو طال المِطال
وليس يصرفني الصّدود ولا الجفاء
وإنّ حقّا مثل حقّي
لا يضيع ولا يهون .
حقّي لديك عواطفي ومشاعري
دفاعات الشاعر صارت عاطفية بحتة
وإصرار مقابل إصرار ، وتوكيد ما يريده منها وهو رؤية واقعية صرفة لما يشعر به نحوها . وخصوصا حينما دعاها لمراجعة شِعره لأجلها ، ومراجعة الأماني والذّكريات
وكل أشواقه إليها وحسنها المنتشي من صدق حبه وعواطفه .
صورة جميلة جعلت أعوامه كالنبات المزهر .
(حقّي لديك عواطفي ومشاعري )
هذه الجملة تختصر الرؤية والدعوى القضائية في حوار باطني أشبه بجلسة استئناف .
باتت واضحة ، إنها صورة شعرية كمحكمة استئناف بجدااارة.
جلسة نفسية انتصر فيها شاعرنا أو عالأقل أقنعنا كقراء بالنّصر بما قدّم من أدلة كافية لإثبات محبته التي لا شكّ فيها والحكم سيصدر لصالحه لا ريب . ما دااام الحبُّ أقوى من العناد حتى لو اجتمع العناااد في جميع أهل الأرض.
فقال : والـحُـبُّ أقوىُ ..
من عِـنادِ جميعِ أهْـلِ الأرضِ ..
والـصَّبْرُ الـجميلُ عليكِ ..
زَادِي في مَتَاهَأت الـدُّروبْ ..
ولن أُتِـيحَ لِـغـيرِ آمـالي ..
تُحَـلِّـقُ في سَـماءِ الـهَـجْـرِ ..
مهما أكَّـدتْ مَحبوبَتي ..
أنْْ لَنْ تلينْ .
صورة ادبية بلاغيه تخدم الفكرة وتؤكد قدرة الشاعر على الاحتفاظ بحبه وهي صورة الصبر الجميل . صورة ذكيّة لأن الصّبر يزوّد القلوب بالإرادة لمواصلة التّحدّي ، إنّ الصّبر زاد القلوب المتعبة بالعناء ، بالإضافة إلى صورة الآمال العريضة التي تشبه الطيور المحلّقة في سماء الهجر بعد ان هجرته الحبيبة . صور فنيّة تآزر بعضها وتعيد لنا ارشفة حكاية الشاعر من البداية للنهاية .
اعزائي المتابعين
ارتأيت أن اوضّح صلة الشاعر بالنواحي البلاغية ومن خلال هذه الصور تكشّفت لنا أفكار القصيدة وغرضها ، والعاطفة التي سيطرت على شاعرنا في ثنايا النّص الشّعري
ولاحظنا معا الأساليب الإنشائية والخبرية المنوعة والتي استخدمها الشاعر بمهارة فنان يلوّن بريشته رسمة ادبية وحكاية لها عناصرها من مقدمة وعرض وخاتمة . بالإضافة لعنصر التشويق من خلال ترابط الصّور الفنيّة وقيمتها في تأكيد غاية الشاعر من سرد أحداث حكايته بأسلوب الشعر الحرّ ( شعر التفعيلة ) .
كما لاحظنا الجرس الموسيقي والذي أتحفنا من خلاله بمهارته في اختيار الكلمات المناسبة للحفاظ على تفعيلة البحر الكامل
والبسيط ، إضافة لمهارته في الإقناع بتقديم الحجج والبراهين الدالة على صدق عواطفه .
الرّمزية في القصيدة
قلتُ سابقا أنّ الشاعر مال للرّمزيّة
فأين تكمن الرموز في القصيدة ؟
- (الوجه المهزوم المصفّد بالعناد )
هنا رمز لسيطرة الحبّ وأنّه أقوى المشاعر وأنه المنتصر دووما ، فهو قائد معركة إنسانية وله النصر غالبا .
- ( الهوى المخبوء )
هنا رمز للقهر المجتمعي لحب المرأة ، وإشارة خفيّة لضعف المرأة الشّرقيّة في الدّفاع عن حبّها وعدم مقدرتها على إعلان ما خفي من مشاعر .
- ( أعوامي التي في ظلّ حبّك أزهرت )
رمز للسرور والانبساط الذي يجتاح بطل القصّة الشّعرية استنبط من عقله الباطن مواقف الحبّ والشّوق واللّقاء والذّكريات الجميلة .
الّرمزية كما نشاهد هي كنايات ترتبط ببلاغة الشاعر وقدرته على توظيف البلاغة في الكشف عن المخبوءات.
والرمزية هنا تختلف عن الرّمزيّة في الشعر الغربي حيث أن أدباء المذهب الرمزي ذهبوا ٱلى ما وراء الحسّ وعبّروا عن ما لا يمكن التّعبير عنه تحت ستار من الأداء الرّمزي الغامض المعقد في التّعامل والفهم والتّفسير. لكن هنا وجه من وجوه الرّمزية المتستّرة بالبلاغة ضمن ستار نفسي إنساني مشترك في أغلب البيئات العربية .
هنيئا لك شاعرنا على هذه المهارة في صياغة قصة واقعية إنسانية وجدانية واختيارك للكلمات المناسبة في إبراز التدفقات الشّعرية الباطنية بصورة تبهر القارى وتدفعه لقراءة القصيدة مرات ومرات .لاستكشاف ما في العقل الباطن من تجارب شعورية تخص بطل الحكاية الشّعرية .
أخيرا
هذا التحليل النقدي هدية لك مني شخصيا ومن إدارة همسات فوق اوراق الصّمت تقديرا لجهودك في النّشر والتّعليق .. إضافة لمهارتك المميزة في خوض غمار الشّعر العمودي وشعر التفعيلة . ( الشعر الحرّ )
أذكركم بأني هاوية للنقد وأكتب في ظلال النّقد ، وبما توحيه لي الكلمات والصياغة وبعيدة كل البعد عن مدارس النقد الاجنبي والتي لا تخدمنا كنقاد للنّص العربي .
كان معكم خوله رمضان برعاية مجلة همسات فوق اوراق الصّمت
وإلى لقاء في قصيدة جديدة .
نستودعكم الله ودمتم طيبين
تحياتي شاعرنا الفاضل القدير بشير بشير .
أشكرك اديبنا الفاضل
أ. أشرف سعد المنسق العام للبرامج الثقافية .
ألف شكر وتقدير أديبتنا الألقة همسة عتاب مشرفة البرامج الثقافية في مجلة همسات فوق أوراق الصمت .
تحياتي لكل الإداريين بالمجلة .
مع أجمل التّحيات لكلّ المتابعين
بقلمي خوله رمضان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق