بسم الله الرحمن الرحيم
الرؤية النّقدية المقدّمة من قِبلي خوله رمضان لقصيدة دعني أسال
عبر برنامج في ظلال النّقد
للأديب المتألق الشاعر المصري
Abdelhady AbdelMalik
من مجلة همسات فوق أوراق الصّمت
نلتقيكم مع حلقة جديدة لعشاق النّقد
اخترنا لكم هذا الأسبوع قصيدة :
دعني أسأل
وإليكم الرؤية المبسطة وما يختبئ وراء الرؤية من ظلال وانعكاسات .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أعزائي المتابعين
أضع بين أيديكم هذه الدّراسة النّقدية بعنوان : ماوراء النّقد
الموجهة من قبلي خولة رمضان لأديبنا الشاعر الراقي د عبد الهادي عبد الملك .
إليكم القصيدة
من همسات المساء
(دعني أسأل)
دعني أسأل يارفيقي
هل خلقنا للشقاء
فافترشنا الأرض رملا
والتحفنا بالسماء
أم عشقنا الليل حبا
وغدا الصبح بداء
ماذا من دنياك تبغي
وهى دار للفناء
تبتسم حينا وحينا
يعترينا منها داء
إنها الدنيا دروب
فيها من راح وجاء
دكتور/عبد الهادي عبد الملك
أولا
.......
نبذة مختصرة عن حياة الشاعر كما كتب عن نفسه.
اسمي \ عبد الهادي عبد الملك محمد
من إحدى قرى مركز منيا القمح محافظة الشرقية.
مواليد عام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين
الدراسة الجامعية
خريج كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1977م
التخصص جراحة المسالك البولية
بدات موهبة في المرحله الإعداديه حيث كنت أهوى قراءة الشّعر لكلّ الشُّعراء مثلا
أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعلي الجارم ونزار قبّاني. والكثير من قصائد الشّعر الجاهلي.
وفي المرحله الثانوية بدات كتابة خواطر من النثر المقفّى. تطورت إلي كتابات للشعر العمودي في المرحله الجامعية.
ثانيا
........
العنوان : دعني أسأل
هذه مقطوعة شعريّة عمودية بعنوان دعني أسأل.
هذا العنوان موجّه لصديق الشّاعر
لأن فعل الأمر دعني عبارةعن فعل الأمر دعْ وياء المخاطب للمذكر.
والمنادى رفيقي بالبيت الأول نكرة مقصودة وهو ربما رفيق مقرّب للشّاعر.
عنوان النّص الشّعري مكشوف منذ البيت الأول. الذي يقول فيه دعني أسأل يا رفيقي.
وهذا العنوان من الأساليب الإنشائية المألوفة نظرا لاستخدامه فعل الأمر متبوعا بالمضارع المنسوب لذات الشّاعر .
هذا العنوان يثير في النفس رغبة لمعرفة ما نوع التساؤلات التي تثير قلق الشاعر قبل البدء بقراءة النّص الشعري :
أولها ماذا سيسأل .
وثانيها ما الفكرة التي سنصل
اليها بعد السؤال ... ما الأمور التي سيتناولها الجواب على هذا التساؤل ... ثم يبدأ القارئ بالبحث عن الإجابة لهذا السؤال عبر نوافذ فتحها الشاعر في نصه ليعبر منها القارئ كما يعبر القطار بين المروج والسّهول فيشعر القارئ بضرورة الإقامة الجبريّة بين حروف القصيدة ليستوفي إجابات هذه الأسئلة التي يقوم عليها بناء القصيدة .. يضطّر القارئ مجبرا أن يشارك الشاعر موضوعاته القيّمة التي قامت عليها أفكار القصيدة ...
الصورة الكليّة للمقطوعة الشّعرية
.......................................
نص شعري واقعي اجتماعي إنساني بلمحة فلسفية من الشّعر العمودي بشكل أشطر على بحر مجزوء الرّمل.
وهو من ضمن مجموعة نصوص ومقطوعات شعرية معنونة بهمسات الشاعر المسائية.
إضاءة على النّص
........................
يتّسم النّص بالبساطة والوضوح في التّراكيب ونلمس هذا الأمر من خلال
التنقّل بين أبيات القصيدة للوصول إلى أفكار القصيدة ومعانيها للبحث في نوعية التساؤلات التي يقصدها الشّاعر .
فإلى أين سنصل مع الشاعر ؟
وهل سنصل إلى بيئة الشاعر مثلا أو إلى مجتمع الشاعر والإنسانية بشكل عام.
... دعونا نرى هذا من خلال سبر أغوار القصيدة وتتبّع مسارها ..
التّجنيس الأدبي للنّص:
إن النّص الذي بين أيدينا والمعنون
( دعني أسال )هو مقطوعة عمودية , نظرا للشكل البصريّ للنّص.
قصيدة إنسانية وجدانية تحمل همّ إنساني بمسحة فلسفيّة مالت إلى الحكمة الوعظية , وتتبع نظريّة الالتزام الدّيني .
الأفكار الفلسفية في النّص الشعري :
السؤال الأول يقودنا لقضية فلسفية لطالما بحثها الفلاسفة وهي التلازم بين الإنسان والشقاء.
فهل خلق الإنسان حقا للشقاء؟
يجري الإنسان في هذا الدنيا لتحقيق السعادة، فهي غاية البشر، وعندما يفهم البعض حقيقة السّعادة ربما يكون هذا الفهم من مسببات الشّقاء، فمن ذلك أنّ بعض النّاس يريد السّعادة الدّائمة، لكن هيهات أن يغيب الألم مثلا سواء الجسدي او النّفسي ،
لهذا لا يمكن العيش في سعادة دائمة لأن اللّوم وتعنيف الذّات أكبر مسببات الشقاء.
وقد ذكر بعض المهتمين أن السعادة كالعمل الفني، "لا بد أن يكدّ المرء ويتعب في صياغته وصنعه"..
وبعض النّاس يعتقد أنّه في شقاء دائم لأنه يظنّ أنّ النّاس يعيشون في سعادة بشكل دائم، وأنه الوحيد الذي يعاني، خصوصًا لمن يتابع كلام النّاس عن أنفسهم ، حين يصورون حالات يُفهم منها أنهم سعداء رغم انهم يعانون..ولم يسلموا من الحزن والشّقاء ولكن لا يحبون الحديث عن معاناتهم كي لا ينتقص من قيمتهم أمام الآخرين، وبعضهم يؤمن أنّ
الشّكوى لغير اللّه مذلّة. من باب الإيمان بأنه لا منجا إلا طريق اللّه.
نلاحظ كيف أدّى تكالب الناس لتحصيل السّعادة إلى النّزاعات بين الشّعوب والأمم وأحيانا بين الأخوة في البيت الواحد.
فينتزع الاخ حقوق أخيه، والأمم تطمع في زيادة ثروتها فتستعمر غيرها لتحقيق المزيد من الثروات ونهب مقدّرات الشّعوب.
ووصل بهم الأمر من أجل السّيادة في الأرض أن سعوا لنشر الأوبئة، اذن إنه الطّمع الذي يقود إلى الحقد والحروب وأحيانا يجعل النّاس تفترش الرّمال بعد أن تنتزع أملاك الإنسان بالدّمار والرّدم.. مما يجعل بعض الشّعوب تنزح عن بيئاتها فتبقى في تشرّد دائم.
وقد عبّر شاعرنا عن هذا المعنى بقوله :
دعني أسأل يارفيقي
هل خلقنا للشّقاء
فافترشنا الأرض رملا
والتحفنا بالسّماء
أم عشقنا اللّيل حبا
وغدا الصّبح بداء
السؤال الفلسفي الأهم موجه من الشّاعر لمن يطلب العلوّ في الدّنيا وهي دار للفناء.
بحث الفلاسفة مسألة الفناء واعتبروا الموت نهاية كلّ أمّة مهما علا مقامها.
وفي الشّرع الحنيف يعتبر الموت هادم اللذات.
وقد اعتُبر الإيمان بالموت والبعث والحساب من أسس العقيدة الإسلامية ومجمل الأديان السماويةالتي لا يمكن إنكارها.
نعم الفناء يحصد البشر رغما عنهم، وكم من الأمم بادت وحُصِدتْ واقتلعتْ من جذورها. وقد ورد ذكرها في المراجع التاريخية وأخبرنا بها القرآن الكريم.
يقدم الشّاعر حقيقة وعظيّة للإنسان لأنه يتمرجح بين السعادة والنّعيم والشّقاء معا فلا تدوم النّعم. فيقدّم شاعرنا الدّليل على زوالها. فنراه مبتسما ثم تنتزع منه السّعادة رغما عنه حينما يجتاحه الدّاء والوباء.
فقال في هذا المعنى :
ماذا من دنياك تبغي
وهى دار للفناء؟
تبتسم حينا وحينا
يعترينا منها داء
ما أروعك شاعرنا وأنت تقدم للإنسانية جمعاء حقيقة الوجود. عبر بيتك الأخير بقولك :
إنها الدّنيا دروب
فيها من راح وجاء
وقد قدّم شاعرنا الدّليل وأقام الحجّة ليدرك الإنسان أنّ من يأتي للدّنيا ينهض على أكتاف من مضى وذهب.
الدنيا دروب متناقضة فيها التضاد وفيها كل المعاني التي لا تلتقي ابدا، فكيف يلتقي الخير والشر؟ ويستحيل أن تلتقي كفة الميزان بالكفة الأخرى.
الخيال
...............
جاء الخيال عبر بعض الصّور الفنيّة كالاستعارات فمثلا شبّه الرّمل بالفراش وشبه السّماء باللحاف.
شبه الدّنيا بالدّار لكنها فانية كما يفنى البناء بعد حين من الدّهر. ويمكن أن نصف خياله بأنّه بسيط ويخلو من الصّور المجنّحة.
هناك بعض الأخطاء التي وردت في النّص الشّعري، مثل عدم ضبط النّص بالحركات.
وهناك تكرار في القافية بكلمة داء في تفعيلة الضّرب. وهذا التّكرار يعدّ من عيوب القافية.
وأرجّح أنّ الشّاعر يكتب سماعيا على البحور العروضيّة وهذا لا يعدُّ مأخذا عليه وإنما هو دليل على إبداعه الفطريّ الذي يحتاج لبعض الدّراسة الأدبية ليكون في مصافّ المبدعين .
الموسيقى في النّص الشّعري
.....................................
كتب الشاعر قصيدته على بحر مجزوء الرّمل.
تناوبت أربع تفعيلات في كل بيت، في كل شطر تفعيلتان.
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن.
استعمل الشاعر جوازات هذا البحر كزحاف الخبن في بعض المواضع وهو حذف الثاني الساكن لتصبح فاعلاتن (فعِلاتن).
ولي عليه مأخذ حيث أن الأضرب كلها منقوصة بسكونين (فاعلات) وفي كل الأبيات ماعدا ضرب البيت الأخير أتت (فعَلات).
وقد جاءت الموسيقى من التزام الشّاعر بالبحر العروضي والقافية وحرف الرٍويّ.
جاء تراسل الحواس بين الشاعر والمخاطب على شكل خطاب عبر سيل من الأسئلة موجّهة للإنسانية عامّة .لهذا تعدّ قصيدته من شعر الحكمة الوعظية، تنبع عواطفه من أعماق وجدانه لما يشاهده من مآس تلازم الجنس البشري.
وجاءت تعابيره وفق مدركات واقعية يلتمسها الإنسان في كل زمان ومكان.
ألف شكر شاعرنا الفاضل لهذا الشُّعور الإنسانيّ الفلسفيّ الوجداني الذي اعتراكَ حينما عبّرتَ عن تساؤلاتك. فأغنيت المتلقي من حديقة قلبك وأقنعت الإنسانية بفكرك المنطقيّ لحقيقة الوجود.
لقد نبّهتَ القارئ والإنسان الغافل والمخاطب للتفكر في حال الدنيا. وعدم الركون لمغرياتها.
ففي القصيدة تراسل وجداني بين الشاعر والمخاطب على شكل سيل من الأسئلة موجّهة للإنسانية عامّة .لهذا تعدّ قصيدته من شعر الحكمة الوعظيّة، الّتي تنبع من تفكيره العميق في هذه الحال الّتي عليها البشريّة منذ خلقها اللّٰه تعالى.
لهذا تأتي تراكيب القصيدة بمسحة عتاب للإنسانيّة جمعاء، عبر رسالة وعظيّة وتوجّه ديني ينبع من مجموعة من الثوابت الدينية.
تتشح رسالته الوعظيّة بالأسى لأنّ الفناء يلازم الجنس البشري. كما أنّ القلق من الأوبئة المنتشرة في بيئة الشّاعر خلق هلعا وخوفا من النّهايات المحتومة.
أمّا تعابيره فقد جاءت وفق مدركات واقعيّة يلتمسها الإنسان في كلّ زمان ومكان.
وقد نسبْتُ تساؤلاته لشعوره الإنساني وتفكيره الفلسفيّ الّذي اعتراه حينما عبّر عن الواقع الإنساني . لقد أغنى المتلقّي من حديقة قلبه فأقنع القارئ بفكره المنطقيّ لحقيقة الوجود.
حرص شاعرنا على تنبيه القارئ والإنسان الغافل والمخاطب للتفكّر في حال الدّنيا. وعدم الرُّكون لمغرياتها لكن بشكل غير مباشر في الوعظ .
وهذا الجهد المبسّط في دراسة قصيدتك أديبنا هديّة لك من مجلة همسات لجهودك القيّمة في النّشر والتّعليق. وهديٍّة مني شخصيّا.
ألف شكر أديبتنا الرّاقية همسة عتاب وأديبنا الفذّ أشرف سعد لهذا التّوجّه من قبلكم ودوركم في تفعيل فقرة النّقد في مجلة همسات فوق اوراق الصّمت للارتقاء بالأدب والأدباء .. كان معكم : خولة رمضان
ضمن فعاليات وبرامج مجلّة همسات فوق أوراق الصّمت . ألف شكر أديبتنا همسة عتاب على هذا التّصميم لواجهة البرنامج .
ألف شكر لكلّ المتابعين والمتفاعلين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق