الثلاثاء، 2 يونيو 2020

منشوري النقدي خوله رمضان لنص خطى منهكة للأديبة الراقية وفاء غريب


               بسم اللّه الرّحمن الرّحيم 
   الرّؤية النقدية المقدّمة من قبلي خوله رمضان  لنص ( خطى منهكة )  عبر برنامج في ظلال النّقد .
  
          للأديبة المتألقة الشّاعرة المصريّة 
       وفاء غريب سيد أحمد   

ضمن برامج مجلة همسات فوق أوراق الصّمت اخترنا لكم هذا الأسبوع 
نصّا نثريا بعنوان  : 
 { خطىً منهكة   }
للأديبة  المصريّة  المتألقة وفاء غريب سيّد أحمد .
وإليكم الرّؤية المبسّطة وما يختبئ وراء الرُّؤية من ظلال وانعكاسات .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
أعزائي المتابعين 
لمحة عن حياة الأديبة كما ذكرت عن نفسها

السّـيـرةٌ الذّاتـيـَّةٌ :

وفاء غريب سيّد أحمد / مصرية
تاريخ الميلاد  / 14 / 3/ 1962 
 ست بيت بسيطة لم أكمل  دراستي الجامعية 
أحبّ الشعر وأعشق القراءة
طرقت عالم الكلمة منذ 7 أعوام 
من بعد رحيل رفيق الروح
حصيلتي الأدبية
ديوان ورقي وهو (عودة الحياة)
وثلاث دواوين إلكترونية
ياقاتلي، عاهدتني ، أذكرني 
وبعض القصائد المصورة 
على اليوتيوب 
وأحضر لديواني الثاني 
مع وزارة الثقافة المصرية


إليكم النص : 
( خطى منهكة
أسيرة ونظرة عينيّ زائغةً
كموجِ بحرٍ زاخر ليس له شطآن 
كصراعِ سفينةٍ شراعُها الخيال
وليل كالوتر بلا عازف
ذهب معه جمال الصّباح
سجينة في ذاكرةٍ
تأخذك لغيومٍ تخاصم الرياح
فلا تناشدك الأمطار 
كي تصلّي صلاة الغائب
على فجرٍ حبيس الدّجى والأوهام 
ينغمس كشتلاتٍ خفيّة 
تموت في زحامٍ 
يخبرك بموعد الحساب 
يتباعد عنّي الضوء
لا تَبْرؤ الرّوح من غيبوبةٍ
تجعل اللّاوعي 
لها بيتا خالي الوفاض 
تسقني الألم 
من نبع جافٍ لا يهتدي إليه المطر
تيبّست السّماء 
بدَا السّحاب عقيما 
تسري من خلاله 
رياحٍ تُخصّب الأحتراق 
في فؤادٍ عاشق يَبكيهِ الليل 
جعلني أنثى تروّض الصّبر
تترنّم في محرابه
شاردة فوق منصّة العتاب
يطلق الخريف 
أوراقه المتساقطة في وجه الرّيح 
شريدة تتحسس احتمال وجود الرّبيع
تجوب الفضاء على جناح فراشةٍ
تنفض عناء مواجهة النّور
كي تتقمّص فرحة
ترسمها باستخفافٍ على وجه الزّمان )

وفاء غريب سيد أحمد 

25/1/2020


أشير أنّي سأتعمد الإشارة للنفس القابعة في داخل النّص ، اي أنّني سأنهج طريقة جديدة تناسب طبيعة هذا النٌص . 
ولم أخرج عن عنوان برنامجي في ظلال النّقد بل ما زلت أحوم في الظّلال وأتعمد أن يكون نقدي نفسيّا في هذا المنشور وفق نظريات النّقد النّفسي . 
هناك حلقة وصل بين  النّقد الأدبي والتّحليل النفسي.
وقد نبع هذا الوصل قديما في الأدب العربي ويتّضح أنّ المنهج النّفسي، لم يظهر في أدبنا العربي بقوّة، فملامحه كانت بسيطة من خلال تسجيل بعض الملاحظات، التي استعان بها النّقاد وتمّ تطبيقها على الأعمال الأدبيّة ولم يتخذ
كمنهج مستقل بذاته.
 وأكبر الظّن أن هذه الملاحظات اعتمد عليها طه حسين فانتهجها في كتاب عن أبي العلاء المعرّي.
كما انتهجها العقاد فاستغلها في تأليفه عن أبي الرّومي وعمر بن أبي ربيعة، وسار عليها  المازني الذي استعان بهذه الملاحظات النّفسية في مقالات متفرقة.
أما مؤسس النّقد النفسي الغربي، فكان  "سيفموند فرويد" 
وسار على منهجه "شارل مورون" .

الرؤية البصريّة للنّص:
نص وجداني رمزي نثري على هيئة خاطرة تطول أسطرها وتقصر وفقا لتدفّق الشّعور لدى الكاتبة. والمعنون  بخطى منهكة .
الرؤيّة الكليّة للنّص : 
نصّ نفسي وجداني رومانسي بلمحة فلسفية اجتماعيّة يتبع الأدب النّسوي المعاصر.

قراءتي للعنوان 
___________
خطى منهكة 
جعلت الكاتبة عنوان خاطرتها نكرة ، 
وبدأتها بكلمة خطىً وهي جمع تكسير لكلمة خطوة .
ووصفتها بأنّها منهكة متعبة، والإبهام في العنوان شيء في صالح النّص الأدبي ، لأن الانكشاف والتّصريح يفقد النّص الأدبي أهميّته منذ البداية ، ونلاحظ أيضا أن العنوان فيه حذف متعمد من الكاتبة ، لأنها حذفت الخبر لكلمة خطى وأبقت فقط على الوصف،  فالأصل قبل الحذف أن يكون العنوان جملة اسميّة من المبتدأ والخبر .
ولكن الخبر يمكن لأي قارئ  تقديره بعد قراءة النّص لأنّه يُفهم من سياق الكلام . وأستطيع أن أفترضه مثلا. كقولي :
   خطى منهكة خطواتي
   ‏خطى منهكة حياتي
   ‏لكن كما قلت سابقا ، المبتدأ نكرة موصوفة بلا خبر يذكر في العنوان. 
   ‏ وفي الحذف أهميّة بلاغيّة لأن الإيجاز في العمل الأدبي من السّمات البلاغية النّاجحة. 
  
الصورة الكليّة للنص :
نص إنساني رومانسي رمزي على شكل خاطرة غير مقفّاة . 
  ‏ ‏
السّمات النّفسية في العنوان :
____________________
العنوان إشارة واضحة لمسيرة حياة ومنهج سير يكشف التضحيات وربما المتاعب التى لاقتها الذات الإنسانية التي تتحدث عنها صاحبة النّص .
 يبدأ الإنسان منذ الطفولة المبكرة تكوين شخصيته ،  وحينما يخوض الإنسان معترك الحياة مثلا بعد المراهقة أو أثنائها تتكشف سمات الشخصية الإنسانية .
 وحينما نخوض غمار الحياة فإن كل خطوة يسبقها فكرة أو مخطّط وربما تلقائيّة وعفويّة لاعتياد الشّخص على أفعال تعلّمها من واقع الحال الّذي يعيشه، ومن مكتسبات البيئة أو طبيعة السلوكيات المتعلّمة من الأهل والأصحاب.
 ‏ وفي هذا النّص إشارة واضحة لخطوات شخصيّة مكافحة تسعى للسير نحو تحقيق الأهداف . فهل نجحت في الوصول .؟ وخصوصا أنها وصفت خطواتها بالمنهكة . فإلى أين قادتها خطواتها ؟ وما الذي جعل الخطوات منهكة؟  . إنّها صعوبات تواجه البشر منذ خوضهم معترك الحياة تلازمهم في كل المراحل . سنرى إلى أي مدى تكشفت ملامح شخصيّة الذّات التي تتحدث عنها  الأديبة وفاء غريب  من خلال تتبع أفكار النص .  
 ‏وقد قلت أن النّص يحمل صبغة اجتماعية .
فالنّاقد النّفسي يسعى من خلال رؤيته من التّحليل النًفسي ليصل إلى الواقع الاجتماعي لحياة الكاتب ، كما أنّ النّقطة
الأساسية التي تتميز بها الدّراسة النّفسية ، الوصول لملامح شخصية الذّات التي يقصدها  الأديب 

الدّراسة  النّفسية للنّص.  
__________________
من بداية النّص النّثري ألقت بنا الأديبة في قمقم الأسر لنخوض التّجربة معها  . 
فهل الأسر حقيقي أم معنوي ؟
سنعرف هذا الأمر من دلالات الألفاظ ومن الصّور الخيالية والفنيّة للنّص. 
في السّطر الأوّل أوحت لنا الأديبة بملامح وجهها حين الشّعور بالأسر. 
وصفت عينيها بأنها زائغة حين الأسر،  ثم دمجت بين حالة الأسر  والبحر الزّاخر الذي فقد الشّطآن أي أنّه فقد السّيطرة والأمان . 
صورة بلاغيّة جميلة لحالة الشّاعرة . غضبٌ ينتابها وثورة أفقدتها السّيطرة على مشاعرها قانتزع الموقف الأمن من حياتها.  . 
وأكّدت لنا الصّورة تلك بصورة جديدة قوامها سفينة بلا شراع حقيقيّ . بل بشراع مزيف من خيال . 
وتابعت الصّورة بصورة جديدة كأنّها ليل بوتر غادره العازف مما أدّى لتتابع تبعات الأسر ليبقى صباح الأديبة كاللّيل بلا جمال، وذاكرة تسيطر على منطلقاتها في حياة تقيّدها كالسّجينة وأحداث قديمة تسيطر على الذّاكرة . 
فقالت في هذا المعنى :
أسيرة ونظرة عينيّ زائغةً
كموجِ بحرٍ زاخر ليس له شطآن 
كصراعِ سفينةٍ شراعُها الخيال
وليل كالوتر بلا عازف

ما هي الملامح العامة لنفسية الأديبة وفق ما ظهر هنا في هذا المقطع ؟
أولا :  الأسر
وهو أسر نفسي معنوي وليس حقيقي 
لأنّ هناك أدلّة تتبع في النّص تؤكد ذلك .
ثانيا : الصّور الأدبيّة التي شبّهت بها حالها وأوّلها حالة الأديبة المعنوية .
( موج زاخر ليس له شطآن )
صورة دلاليّة لحالة فقدان الأمن النّفسي والمجتمعي . 
فحينما يهدأ الموج على الشّاطئ فهذا دليل الاحتواء المجتمعي. 
لكن هنا البحر بلا شطآن . 
وهذا دليلي على فقدان الدعم المجتمعي للمرأة، فلجأت  للأسر النّفسي المعنوي . 
هي لم تجد الأمان المجتمعي فلجأت للأسر النّفسي. فالذات لجأت للأسر او بمعنى آخر للعزلة والوحدة لتتخلص من زيف المجتمع وكذبه وظلمه. 
والصّورة الثّانيّة  : شبّهت حالها بسفينة 
تصارع أمواج البحر لأن شراعها من خيال. 
نستنتج أنّها في قمة الغضب والصّراع للبقاء.
وأقول أنّ هناك رمزا في الصّورة . 
الرّمز هو الكشف عن سمات المجتمع الذي تعيش به من غش وخيانة وتزوير وكراهية . 
هناك مجتمع ظالم لم يعطها ما تتمنى بل خدعها وخانها فمنحها سفينة بلا شراع  حقيقي ، كي يجعلها في مواكب التائهين . 
الصّورة الرّمزية الثالثة ، فقدت جمال التأمّل لأنّها في ليل يفتقر للعزف . نظرا لفقدها للعازف ، وربما هو رمز للقدوة والصّداقة الغضّة مع اللّيل . نلاحظ أنّ الذّات ليس لها في أسرها وعزلتها  من صديق أو قريب أو شخصيّة تخفّف عنها عناء الأسر المعنوي. 
فمن الطّبيعي أنّ وجود الصّداقة والقدوة والرّفيق عوامل هامّة في حياة الشّخص، تعين في تخفيف أعباء الحياة عمن أصيب بجرح الزّمن فهاجمته الحياة تنتقص من حريّته وأوقعته في قمقم الأسر النّفسي . 

وتابعت الشّاعرة النّص بقولها :

(ذهب معه جمال الصّباح
سجينة في ذاكرةٍ
تأخذك لغيومٍ تخاصم الرّياح
فلا تناشدك الأمطار 
كي تصلّي صلاة الغائب
على فجرٍ حبيس الدّجى والأوهام 
ينغمس كشتلاتٍ خفيّة 
تموت في زحامٍ 
يخبرك بموعد الحساب ) 

نلاحظ حينما ينتهي اللّيل كيف تواجه الأديبة الصّباح .
عادة الصّباح يكشف غمّة المكروب وخصوصا مع العمل والحركة ومواجهة الحياة .
فتتغير الألوان لتصبح زاهية في نظر البشر. 
لكن الكشف النّفسي لن يسعفنا في تجلّي الأمن الرّوحي مع شروق يوم جديد.
 والظّلال الكئيبة مستمرّة حتى مع توافد يوم جديد .
نلاحظ الصّباح لا جمال فيه لأنّ النّفس مشغولة وسجينة بذكريات الماضي الكئيب.  
كيف وصفت الذّاكرة ؟
استخدمت المظاهر الطّبيعية لتعزيز مفهوم السّجن والأسر.
فالغيوم في خصام مع الرّياح 
لا أمطار في تلك الغيوم 
مما يدعوك لتصلّي صلاة الغائب على تلك الغيوم ليتنزّل المطر . 
صورة أدبيّة تظهر المعاناة ، والدّليل على قولي هو انحباس المطر . 
فالمطر غيث يسعد المكروب ولكن الفجر بوصف الشاعرة حبيس الدٌجى والأوهام وبلا غيث يذكر .
ثم ينغمس هذا الفجر  كشتلات خفيّة تموت في الزّحمة ليخبرك بموعد الحساب.  
وهذه الصّورة في نظري لها بعد نفسي إذ أنّ  النّهار يزاحم فجر الشّاعرة ، فلا يدعها تستأنس بالفجر المنير . حتّى أنّها جعلته يموت مع اختراق النّهار . 
والصّورة تؤكّد على أمنية الذّات بأن تلاقي يوم الحساب سريعا لأنّها بالأصل تحسّ بالموت المعنوي . ولكنّها استخدمت المظاهر الطّبيعيّة لتعزّز شعورها بأنّها في حالة قلق وارتباك وعدم استقرار.
وتابعت الأديبة صورها الخيالية بقولها :

 (يتباعد عنّي الضوء
لا تَبْرؤ الرًوح من غيبوبةٍ
تجعل اللّاوعي 
لها بيتا خالي الوفاض )
رغم مجيء النّهار إلا أن الضّوء يتباعد ، فما الذي أبقاه بعيدا ؟
لا شك إنّها ظلمة النّفس المعذبة والأسيرة في قمقم اللّيل رغم مجيء النّهار. 
فما هو اللّاوعي الذي ذكرته الشّاعرة ؟
 يدل اللّاوعي إلى حدٍّ ما على ما يقابل الوعي كاللّاشعور الذي يعتبر سلوكاً لا واعياً، واللّاوعي بحسب مدرسة التّحليل النّفسي ‏هو ما نسميه العقل الباطن موطن الذّكريات.
هذا دليل جديد على أن الشّاعرة هاربة من الواقع في أسرها لذاتها ، وهي تبحث في ذاتها ( عقلها اللّاواعي ) عن مصدر لسعادتها.

فهل نجحت في البحث ؟ 
 نلاحظ فشل  الرّوح التي عادت من رحلة اللّاوعي صفر اليدين .( بيت خالي الوفاض)

ثم تابعت قولها :
تسقني الألم 
من نبع جافٍ لا يهتدي إليه المطر
تيبّست السّماء 
بدَا السّحاب عقيما 
تسري من خلاله 
رياحٍ تُخصّب الأحتراق 
في فؤادٍ عاشق يَبكيهِ اللّيل 
جعلني أنثى تروّض الصّبر
تترنّم في محرابه
شاردة فوق منصّة العتاب

كرّرت الشّاعرة صورتها الفنيّة وهي صورة اليباس والجفاف الرّوحي مما أعان على تواجد رياح أعانت على احتراق فؤاد العاشق  .

من هو العاشق ؟ 
لا نعلم من قصدت به الأديبة لأنها تحدّثت عنه بضمير الغائب .ولكن معطيات الفراق ربما تكشفه في نهاية النّص . 
وخصوصا أنّها صوّرت اللّيل يبكي فؤاد العاشق. 
وجعلت نفسها أنثى تروّض الصّبر في محراب هذا الفؤاد . 
فهل هناك قصّة فراق ؟ 
ربما هي تتكلف الصّبر لأجل حب حُكِم عليه بالإعدام  والدّليل انها روٌضت الصّبر  فوق منصة العتاب . 
العتاب والصّبر أدوات استخدمتها الذّات لمواجهة الصعاب .
الآن فهمنا أنّ العتاب أحد أساليبها لتغيير الحال . رغم أنها لم توضح لمن وجّهت العتاب ، لكن المعطيات تدلّ على عتاب موجّه منها  ربما هو عتاب للطرف الآخر الذي غيّبه القدر  .

وتابعت الأديبة  بقولها :

(يطلق الخريف أوراقه المتساقطة في وجه الرّيح شريدة تتحسس احتمال وجود الربيع
تجوب الفضاء على جناح فراشةٍ
تنفض عناء مواجهة النّور
كي تتقمّص فرحة
ترسمها باستخفافٍ على وجه الزّمان )

ما دلالات الخريف والربيع ؟ 
الخريف هو الموسم المفترض لكل من يشعر بالأسر والوحدة واليأس .
أما الرّبيع فهو موسم يتمناه الجميع  لأنه فصل الجمال والنضارة .
ونلاحظ كيف وصفت نفسها بالشّريدة التي تتحسس وجود الرّبيع دليل على معاناتها ومطلبها للنّور الذي افتقدته. 
وها هي تجوب الفضاء تبحث عن الرّبيع
وترسم فرحة مصطنعة على وجه الزّمان .

الرّمزية في النّص 
_____________
هذا النّص نموذج هام للمذهب الرّمزي 
فمن بداية النّص بدأت برمز الأسر 
وهو دليل الوحدة والعزلة .
ثم لجأت لرمز البحر الذي بلا شطآن 
كرمز لفقد الأمن المجتمعي والنّفسي.
 أما السّفينة بلا شراع فهي رمز للخداع والخيانة ممن حولها . ورمز للإحباط والبطالة وضعف الذّات أمام متطلبات الحياة . 
 ‏أما اليباس والجفاف والخريف والغيوم التي تخاصم الريح فهي رموز لليأس والخوف والهموم والأحزان . فالغيوم التي لا تأتي بالمطر  لها دلالتها النفسية من اكتئاب وتكدّر وبالتّالي غياب الأمن النّفسي ..وبالتالي غياب مظاهر السرور.
 ‏وقد اقنعتنا هذه الرّموز في النّهاية لأنها قادتنا لمعرفة كم من المحاولات الفاشلة لاقتناص لحظة فرح إلا أنّها لم تتوصل لمبتغاها، فرسمت فرحة مفتعلة في وجه الزمن . لكنها بديل غير مقنع لأنّها رسمتها باستخفاف.
 ‏أما فؤاد العاشق فبقي رمزا لاحتمالين اثنين:
 ‏- فؤاد الذّات التي تتحدث عنها الأديبة ، إنها ذات فقدت الحبّ فآثرت العزلة والهروب والبحث عن مصدر للفرح ينسيها معاناتها. 
 ‏ - فؤاد الحبيب الذي غادر حياتها رغما عنها  ولم يعمل لتلبية متطلبات ذلك  العشق ، مما دعا تلك الأنثى لتتكلف الصّبر ، رغم أنّها لجأت للعتاب الذي باء بالفشل .

مما سبق نظهر التّحليل النٌفسي للنّص : 
--------------------------------------
ذاتٌ فشلت في مواجهة مطالب النّفس فلجأت للهروب والوحدة والعزلة ، إلا أنّها 
لم تجد ملاذا آمنا تلجأ إليه ، فهي تجد خيانة  لمتطلبات نفسها  وتلبية حاجاتها ولا نعلم بعد هل خانتها الأقدار أم خانها المجتمع الذي تعيش فيه .
 ماذا فعلت الذّات التي تتحدث عنها  أديبتنا  في الخاطرة  ؟
 ‏واجهت الأقدار بعد معاناة شديدة فاحتالت على خيالها لينقلها عبر الفضاء على جناح فراشة تبتغي اقتناص فرحة مفتعلة ترسمها باستخفاف على وجه الزّمن.

اللّغة ومعجم الأديبة .
------------------
نلاحظ الكمّ الهائل من كلمات العناء والمواجهة والتّحدي لواقع الحال بطريقة الانسحاب والتقوقع على النّفس .
ومن الأدلة على هذا الحال :
( أسيرة وسجينة في الذّاكرة ، الرّوح في غيبوبة ، وتسقى الألم . 
بحر زاخر بلا شطآن ، سفينة بلا شراع . )
كل هذه الكلمات والمقارنات جعلت من نص اديبتنا نصّا رومانسيّا وجدانيّا نفسيّا تغلب عليه عواطف الألم  كالتّيه والتّحدي  والعذاب  واليأس والإحباط  . 

البؤرة الثّابتة 
-------------
 ثبات الأديبة 
هي سنوات العمر التي قضتها متقوقعة على نفسها هاربة من مواجهة مجتمعها وهاربة   من محاولة العيش في محيط جديد يرأف بحالها ،  هي ترفض التّجديد وتريد البقاء في الأسر النّفسي وفي سجن الذاكرة الذي يقربها من شخص ربما فرقتها عنه الأقدار رغما عنها . 

البؤرة المتحوّلة 
--------------
محاولة إيجاد لحظة فرح  ، بعد أن كان   الفراق وراء هذه المعاناة  وربما لسبب آخر لا نعلمه . 
التّحول في تفكير الكاتبة هو عقدة النّثرية 
وبؤرتها المتحوّلة لدرجة أنّ خيالها اوحى لها باستقلال جناح فراشة تنقلها للفضاء لتقتنص لحظة فرح، بعد تجربة شعوريّة جعلتها تنكفئ على ذاتها وبعد رحلة معاناة تحملتها لوحدها في قمقم من الأسر النّفسي   .
  ‏
البلاغة والخيال 
------------------
نقلتنا الكاتبة إلى أجوائها النّفسية عبر الكلمات الموحية والتشبيهات والاستعارات والكنايات . 
فعلى سبيل المثال : 
تشبيه حالها في الأسر ببحر زاخر بلا شطان .
وتشبيه حالها بالأسر بسفينة بلا شراع .
وتشبيه حالها بليل بلا عازف . 
تشبيه السّجن الذي أجبرت ذاكرتها عليه بالغيوم التي تخاصم الرياح . فلا أمطار قد تنقذها من هذا الجفاف . 
شبهت تحوّل الذّات للفرح برحلة عبر الفضاء
تحاول اقتناص لحظة فرح وهي على جناح فراشة .
المعذرة على هذه الإطالة فهناك الكثير ايضا ولكنّي اختصرت كي لا أثقِل عليكم. 

إضاءة على النّص
--------------- 
هذا النّص غنيّ بالمفردات الدّالة على الحزن والتّعب والإحباط والشّعور بالوحدة والعزلة . والصُّور الشعرية الخيالية  والإسقاطات النّفسية على ذات الشّخصية التي تتحدّث عنها الكاتبة . هذا النّص الرومانسيّ النّفسي جعل الكاتبة تجتاح اللّاوعي في رحلات خاصّة بها نقلتنا معها للبحار والفضاء والسّماء، والغيوم ، والرّبيع والخريف. 
 لقد نقلتنا أديبتنا وفاءغريب  إلى تجربتها الشّعورية وجعلتنا في مواجهة مفترضة معها لنجتاز الأرض في رحلة نحو الفضاء للبحث عن فرحة مزعومة للخروج من وضع إنساني مقيت، وهو وضع نسوي ملازم غالبا للمرأة الشّرقية التي تفقد المعيل فتحتال على نفسها  لمواجهة الحياة بنفس معذّبة ومعاناة حقيقية ،  وربما هو قدر صنعته المرأة بنفسها ،  ولكن النّفس البشريّة لا تقرّ بأن هذا ما جنيناه بأنفسنا وما جناه علينا أحد . 

وهذا الجهد هديّة لك منّي شخصيّا خوله رمضان ومن إدارة همسات فوق أوراق الصّمت نظرا لتفاعلك في المجلة وجهودك الطيّبة . 

أشكرك اديبتنا الألقة  وفاء غريب لأنك أوحيتِ لي بظلال جمّة تناولتها بنقدي 
لخاطرتك .. بارك الله بك وحفظك مع المزيد من التّقدم في ميدان الأدب الذي خضتيه بكلّ انفتاح ، فقد كانت الرّومانسية طريقك لرسم لوحة فنية لمعاناة امرأة قسا عليها المجتمع وأحكمت عليها الأقدار قبضتها . شكرا للذّات التي  اجتازت مصاعب الحياة وأتمّت دورها الإنسانيّ   ..
تحيّاتي لك على طبق من الورود، لدورك الفاعل في رسم فرحة لذات معذّبة ولو في الفضاء وعلى جناح فراشة. إنها محاولات النّفس البشريّة لمتابعة الحياة رغم الفقد والغياب.
 
ألف شكر أديبتنا الرّاقية همسة عتاب وأديبنا الفذّ أشرف سعد لهذا التّوجّه من قبلكم ودوركم في تفعيل فقرة النّقد في مجلة همسات للارتقاء بالأدب والأدباء .. كان معكم : 
     خولة رمضان 
ضمن فعاليات وبرامج مجلّة همسات فوق أوراق الصّمت . الف شكر أديبتنا همسة عتاب على هذا التّصميم لواجهة البرنامج .
  ألف شكر لكلّ المتابعين والمتفاعلين .



 ‏ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق