بسم الله الرحمن الرحيم
الرؤية النّقدية المقدمة من قبلي خولة رمضان لقصيدة ( الأصحاب ) عبر برنامج قصيدة وتأملات ناقد ....
للأديب المتألق الشاعر السوري
أبو النور الحلبي .....
-----------------------------
إلى عشاق النّقد الأدبي
نجوم لمعوا في سماء { همسات فوق أوراق الصمت }
واسعدونا براقي حروفهم
وابهرونا بزخات أقلامهم
فوجب علينا أن نهديهم إهداء شرفي يليق بهم .
وهو نقد لما أبدعوا من سحر القصيد
اخترنا لكم هذا الأسبوع قصيدة { الأصحاب. }
للأديب الشاعر السوري المتألق / ابو النور الحلبي
وإليكم النقد والتحليل
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
تحية إكبار وإجلال
من منبر مجلة همسات فوق أوراق الصمت
مجلة الأدب والفكر والثقافة أحييكم أجمل
تحية وأضع بين أيديكم هذه الرؤية النقدية
الموجهة من قبلي خولة رمضان لأديبنا الراقي ابو النور الحلبي عن مقطوعته العمودية ... ( الأصحاب )
إليكم النص :
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
((....الأصحاب....))
على كفِ الزمان قرأت حظي
فاخبرني الزمان. بما يفيد ُ
يقول بطالعي يوماً ستلقى
لصحبة. من تراه. لكم ودود
الا. صحبي اراكم في حياتي
كغصنٍ قد. تكلله الورود ُ
كما اني. أراكم. في فؤادي
كلحنِ القلب يعزفه ُ الوريد
تعالوا. نلتقي. يوما. بحب
وذاك. الحب تصنه الوعود ُ
فتنسج من محبتكم. شجوني
وشاح الشوق. يلبسه البعيد
تعالوا. نلتقي دون. البرايا
فأيام. الصفا. قد لا تعود ُ
----------------------------------
لمحة عن حياة الأديب الشاعر أبو النّور الحلبي ..
الاسم أنور خالد الحلبي. مواليد سوريا. حماة. 1960. معهد اعداد مدرسين لعام. 1982 عمل إداريا منذ تخرجه ثم بالتوجيه التربوي حتي تقاعده 2017بسبب الأوضاع في بلده .
من محبي الشعر العمودي وكتبه من صغره ولكن دون متابعة بسبب العمل .
كتب اكثر من 150 قصيدة عمودية اغلبها قصيرة كقطع شعرية .
--------------------------
جو النص :
دعونا نسافر ونرحل معا في رحاب حروفه من أجل الغوص في أسرار هذا النّص ثم نحلّق في عالم النّقد بكل شفافية وارتقاء لنقد بنّاء في دوحة الأدب الوارف بالعطاء ...
الشّكل البصري للنّص : نظم للشعر العمودي على شكل قطعة عمودية مقفاة عنوانها :
الأصحاب
تتكون القطعة من سبعة أبيات لهذا سننسبها للقطعة الشعرية لأنها أقل من عشرة أبيات .
نص وجداني إنساني عاطفي رومانسي
يحمل أبعادا إنسانية اجتماعية .
أبدأ من عنوان القصيدة
( الأصحاب )
عنوان مثير للجدل حول مفهوم الصُّحبة
التي قصدها الشاعر فهناك فرق بين الصديق والصاحب .
الصَّاحِبُ : المرافق.
أو - مالك الشيءِ.
او - القائم على الشيءِ.
وفي التنزيل العزيز: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً} المدثر: 31.
وكلمة صاحب اسم فاعل من الجذر الثلاثي صحِب
(والجمع): صَحْبٌ، وأصحابٌ، وصِحاب.
ويقولون: يا صاحِ: يا صَاحِبي.
ويطلق على من اعتنق مذهبًا أو رأيًا؛ فيقال: أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب الشافعي.
وقد وردت في القرآن الكريم بعدة معان ومفاهيم .
وقد وجدت أن كلمة صحب وما تفرع عنها من عائلة اشتقاقية قد وردت في القرآن الكريم خمس وعشرون مرة .
وقد جاءت كلمة صاحب تسع مرات للدلالة
على التّملك كما في صاحب الحوت .
ودلت ست عشرة مرة على العلاقات الإنسانية .
تختلف كلمة الصديق عن كلمة صاحب في اللغة العربية
فهناك معنى مختلف لكل من الصديق والصاحب وتشيع هاتان الكلمتان لوصف نفس الشخص في حياتنا ، ويخلط البعض بينهما، ولكن هناك فرق واضحً في المعنى والدّلالة .
المعنى اللغوي
إذا بحثنا عن معنى كلمة صاحِب، في المعجم الوسيط، فسنجد أن للكلمة معانٍ كثيرة، ولكن ما الفرق بين الصاحب والصديق؟
المعنى في ظل الموضوع المطلوب. الصاحِب ، هم اسم فاعل من صحب، والجمع أصحاب .
وقد وردت في سورة الكهف عن الفتية الذين آمنوا بالله واختبؤوا في الكهف، والصاحب بالجنب أي الرفيق، وهو لقب يطلق على الزوجة أيضا . وعلى الرفيق في التعلم أو الصنعة أو السفر. . وقد يكون الصاحب صديقاً، وقد لا يكون، ولكنه مصاحبٌ لك في ذات المكان والزمان. الصاحب قد يكون شخصا لا تثق به في كل صغيرة وكبيرة، ولا تلجأ إليه وقت الشدة، لأنه قد يقابلك بما لا يناسب شعورك نحوه ويظهر لك الخذلان .
الصاحب لا يشترط أن يكون مماثلاً دائماً، أو مناقضاً دائماً لصاحبه في العقيدة، والفكر، والخلق .
فهناك صحبة مؤقتة تنتهي بانتهاء الطريق الذي يجمع الشخصين، أو الفريقين، وأعطى القرآن الكريم عدة أمثلة على هذه الصحبة، مثل: علاقة العبد الصالح مع موسى عليه السلام .
أما الصحبة الدائمة فهي الصحبة المستمرة، وغير المشروطة، ولا تنتهي بانتهاء وقت معين، أو بتغير المكان، مثل: صحبة الوالدين، فيقول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15]، كما يصف الله تعالى الزوجة الدائمة بالصاحبة، لأنها تبقى مع زوجها حتى يفرقهما الموت، سواء أحبته أم كرهته، ففي كلتي الحالتين هي صاحبة زوجها، وإذا كان الزوج هو الحامي لزوجته في الدنيا، فلن ينفعها في الآخرة (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) [عبس:34-36
ومن أمثلة الصحبة الدائمة أيضاً، العلاقة بالجار، ، فقال الله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) [النساء:36].
أما بخصوص أصحاب الأنبياء فلا يعني قربهم من الأنبياء أن يكونوا مؤمنين جميعهم، فالله تعالى يقول عن قوم موسى عليه السلام: (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61]، وعندما عبر بهم موسى البحر، عبدوا العجل.
أما كلمة صديق في معجم الوسيط فتعني الصاحب صادق الودّ ، وجمعه هو أصدقاء، أو صُدَقاء، فالصديق هو من تتوفر فيه صفات الصدق، والمصداقية، والتصديق .
فالصديق هو من يصدق قولاً وفعلاً. الصديق من لا تثنيه الظروف مهما كانت عن الوقوف بجانب صديقه وقت الشدة. الصديق مشاعره صادقة، ولا ينتظر المقابل، ولا مصلحة في علاقته بأصدقائه. وقد يكون للشخص صديق واحد .
ذكر القرآن الكريم كلمة الصديق في موضعين اثنين، أولهما عندما أراد سبحانه وتعالى الحديث عن تشريع جواز الأكل من بيت الصديق، واعتباره مقرباً مثل صلة القرابة: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) النور:61
في الموضع الآخر يصف الله تعالى حال المشركين وهم يصرخون في نار جهنم: (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) الشعراء:101
أي أنّ الصديق هو الشخص الذي تجده وقت الشّدة والضيق، ويقدم العون وقت الابتلاء في الدنيا، فأصحاب النار مهما صرخوا في نار جهنم، فلن يجدوا الصديق .
قال الإمام الشافعي، رحمه الله، في وصف الصداقة:
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
فلا خـير في ود يجيء تكلفاً
ولا خير في خل يخون خليـله
ويلقاه من بعـد المودة بالجفا
وينكر عيـشاً قد تقادم عهـده
ويظهر سـراً كان بالأمس قد خفا
سـلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعـد منصفا
-------------------------------
الصاحب
إذن كلمة صاحب هي كلمة إنسانية عامة وشاملة للعلاقات البشرية القائمة على التلاقي في المصالح فأغلب العلاقات الاجتماعية الإيجابية أو السلبية تقوم على الصحبة .
أما كلمة صاحب في قوله تعالى :" إذ قال لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ." فهي تدل على علاقة صحبة وصداقة متكافئة ليس من ورائها أي مصالح دنيوية سوى الحب الخالص لله والالتقاء على الإعجاب الإيجابي فليت جميع الأصحاب أصدقاء .
أما العلاقات المعنوية فغالبا تكون بلا اختيار ... فمنذ الصرخة الأولى للإنسان تبدأ المعاناة للحصول على الود من الحياة
ابتداء بود الأم ذات الفضل الكبير .
ويتشبث الجنين بالحياة ويتشبث به من حوله .. وتبدأ الرحلة عبر الزمن للوصول للصحبة الحقيقية عبر فيض من التجارب والخبرات .
ثم تتسابق الأرواح للعيش بامان لتحقيق الاحتياجات والرغبات والأمنيات ضمن منظومة القيم والمبادئ ...
ثمّ تختمر الروح حينما تحب ويصل هذا الشُّعور الى حد النُّضوج ... وتبقى الروح في مدارها الإنساني تبحث عن الأمان وعن السّلام وعن أرواح تشبهها تتعلق بها عبر الصحبة القوية .
وهناك أرواح تنزع للود والصحبة التي تخلو من المطامع . و هناك أرواح قد تنزع للطمع والجشع وتتأصل فيها لغة الدماء ، وخير مثال على ذلك ما قام به قابيل حينما طمع بفرض سيطرته على أخيه هابيل فصرعه. وتتكرر المأساة حتى عصرنا هذا طمعا ورداءة أخلاق وفرض سيطرة ...
كل هذا يحصل على مرمى البصر ، يحدث بعد كل التشريعات الأرضية والسماوية لحفظ الأمن والبقاء في مجتمع متكافئ الحقوق .
وفي نظري مهما كان النازع الإنساني لوقوع فوضويات الحياة إلا أنّ لكل موقف جمالياته الأدبية ، حتى العويل له نزعة جمالية أدبية ..حتى الروح حينما تخرج وتخمد فلها موقف إنساني عبر عنه الشعراء أجمل تعبير .
والغدر والخيانة والكراهية والحب .كلها
عواطف إنسانية وفيها التضاد ولكن لها جمالياتها الأدبية وفقا لقدرة الأديب عن التعبير عن كل منها .
ويعد الموت مقصلة الحياة يأخذ من الإنسانية بهجتها فيخلّد الأدباء هذا الموقف بفن المراثي .
وبدوري أتساءل ما المعنى الذي اراده الشاعر في قصيدته أصحاب ؟
اراد الشاعر من كلمة أصحاب الأصدقاء
ولا نعلم بعد درجة إخلاصهم ، أما إخلاص الشاعر لهم فليس مشكوك به ، والدّليل على هذا المعنى الصفات التي نسبها لهم مثل : الودود في البيت الثاني .
ووصفه لهم بالغصن المكلل بالورود في البيت الثالث .
وتشبيههم بلحن القلب يعزفه الوريد في
البيت الرابع .
وتأكيد حبه لهم في البيت الخامس .
والشموخ الذي يراوده من محبته لصحبه في البيت السادس .
كل هذا الوصف دليل على المعاني النبيلة التي تشتملها كلمة أصحاب كما قصدها الشاعر ابو النور الحلبي . وهذه الرؤية مرآة حقيقية لما يدور بخلد الشاعر من عواطف صادقة تجاه أصحابه .
أما ما يدور في خلد أصحابه فما عرفناه بعد
وليس لدينا القدرة على معرفة حقيقة مشاعرهم طالما أنّ الشاعر لم يشر إلى ذلك .
ولكن سنناقش هذا الموضوع في دراسة الأفكار .
-------------------------------
الموسيقا
جاءت القطعة الشّعريّة على سبعة أبيات
كل بيت يتكون من شطرين وكل شطر من ثلاث تفعيلات ألا وهي :
مفاعلٙتن مفاعلٙتن فعول . ومثلها في الشطر الثاني .
وهي تفعيلات البحر الوافر باستخدام التفعيلة الأصلية مفاعلٙتن وجوازاتها مفاعلٔتن بتسكين اللام .
والبحر الوافر سميّ بهذا الاسم لوفور اجزائه وحركاته .. وليس في القصيدة كسورا موسيقية إلا في البيت الخامس الشطر الثاني . فقد جاء الكسر الموسيقي بكلمة تصنٔه والصحيح أن يقول : صانته لتصحٙ التفعيلة الثانية .
فيصبح البيت الخامس بلا كسور كالتالي:
تعالو نلتقي يوما بحبّ
وذاك الحبّ صانته الوعود . وأتوقع أن يكون هذا الخطأ الموسيقي ناتجا عن خطا في الطباعة .. وأترك للشاعر أن يوضح لنا الأمر.
الموسيقى الخارجية
جاء التناغم الموسيقي من القافية التي تسير
على نغمة المقطع الصوتي التتابعي بين وزن فعول بالتناوب مع فعيل ويفعل ً
علما أن تعريف القافية المأخوذ به عند اغلب النّقاد كما قال الخليل بن احمد رحمه الله هو :
هي من آخر ساكن في البيت ، إلى أقرب ساكن يليه مع المتحرك الذي قبله . وهنا لا بد من الرجوع للكلمة التي تسبق الكلمة الأخيرة
للتعرف على القافية وفق تعريف الخليل بن أحمد .
أما حرف الروي فهو ( الدال المضمومة )
وما قبلها مد ساكن بالياء أو. الواو .
هذه التفعيلات مع القافية وحرف الروي جعلت للقطعة الشعرية موسيقى خارجية
جاءت من الالتزام ببحر عروضي له تفعيلاته الخاصة وبالتعاون مع الموسيقى الداخلية .
------------------------------
الموسيقى الداخلية والعاطفة :
تطالعنا في هذه القصيدة انغام مختلفة منها ما يبعث على الحماس مثل :
تعالوا نلتقي ، وشاح الشوق يلبسه البعيد .
و آخر يبعث على الحزن و الكآبة مثل :
فأيام الصّبا قد لا تعود
ومنه ما يثير فينا الحنان مثل :
ألا صحبي أراكم في فؤادي
كلحن القلب يعزفه الوريد
كما أني أراكم في حياتي
كغصن قد تكلّله الورود
وتأتي الموسيقى الداخلية في حسن اختيار الأديب لكلماته بحيث أنها جاءت منسجمة تنساب انسيابا . فالحروف لا تنافر فيها .
ويسهل النطق بها ، لكن هذا لا يمنعنا من محاولة الكشف عن بعض أسرار التناغم في هذا الميدان :
- التكرار : كرر جملة تعالوا نلتقي يومافي البيت الخامس والسابع
التنوع في الأساليب ومنها الشرط
في البيت الأول :
على كف الزمان نقشت حظي فأخبرني الزمان بما يفيد
وكذلك البيت الخامس والسابع جاء الأمر الطلبي كأسلوب الشرط .
تعالوا : فعل أمر طلبي
وجوابه نلتقي
_ التقديم والتأخير : نوع من أنواع الإثارة الفكرية والتناغم الموسيقي
في البيت الأول قدم شبه الجملة كف الزمان على الفعل قرأت حظي .
البيت السادس تقديم شبه الجمله من محبتكم على المفعول به شموخي .
- حروف الهمس والصفير :
السين والشين والصاد والحاء :
البيت الثاني السين في سنلقي
- والسادس كلمة فتنسج حرف السين .
والسابع حرف الصاد بكلمة الصّبا .
والرابع كلمة صحبي حرف الصاد والحاء
وكلمة كلحن حرف الحاء .
والصفير في كلمات : الزمان يعزفه
هذه أمثلة قليلة وهناك الكثير غيرها.
الأفكار :
لكل نص بؤرة محورية تمد النّص بالطاقة اللازمة لخدمة الأفكار المحورية ، والبؤرة في هذه القصيدة واضحة جدا ألا وهي :
خطاب موجّه من الشاعر لأصحابه من أجل لقائهم .
فهو بعنوان : دعوة للقاء الأصحاب الذين اخبره حظّه بوجودهم .
هناك طالع بشّره بهم في البيت الثاني :
يقول بطالعي يوما سنلقى
لصحبة من تراه لكم ودود
هل كانت البشرى منطقية وحقيقة واقعة ؟
لقد دعاهم للقاء في بيتين من أبيات القطعة الشعرية إذن هو يعلم بوجودهم
في واقعه ولكن اللقاءات لم تكن على قدر الشوق الذي في فؤاده .
فقال :
ألا صحبي أراكم في فؤادي
كلحن القلب يعزفه الوريد
كما أني أراكم في حياتي
كغصن قد تكلّله الورود
إذن الشاعر لم يعبّر عن لقاء حصل بالفعل
بل عبّر عن لقاء يتمناه .
والدّليل العقلي والمنطقي على قولي : هذه الرومانسية الطاغية عند شاعرنا نحو من يحبهم وهذه العواطف جعلته يتمنى لقاءهم واصبحوا جزءا من خيالاته فقال عنهم :
ألا يا صحبي أراكم في حياتي
. كغصن قد تكلّله الورود
وكلمة ( قد ) جاءت هنا للتشكيك لأنها سبقت
الفعل المضارع الذي يحصل في المستقبل
باستخدام قد .
والدّليل الآخر المنطقي على أن الصحبة لم تتم كما نفهم من تعريف الصداقة هو ما قاله الشاعر في البيت الخامس والسابع : باستخدام الأمر الطلبي ( تعالوا نلتقي )هو من مكنونات الشاعر العاطفية والتي تنتمي للعقل الباطن .
فهي أمنيات لم تحصل وقابعة في عقله الباطن وخرجت مع امنياته الواقعية على شكل امر طلبي .
وهناك تفسير آخر ممكن وهو أن الشاعر يتمنى عودة أيام صحبة حصلت في شبابه ثم انتهت بابتعاد الأصحاب وهو الآن يتمنى
عودتها والدّليل على هذا الراي قوله في البيتين :
تعالوا نلتقي يوما بحب
وذاك الحب صانته الوعود
تعالوا نلتقي دون البرايا
. فأيام الصبا قد لا تعود
إذن قد يقصد الشاعر انتهاء أيام صباه
ويتمنى عودتها من دون البرايا ، وعنده شك
بعودتها باستخدام قد التشكيكية للمرة الثانية حينما قال : قد لا تعود . وباستخدام اسم الإشارة ذاك الحب
فهو حب بعيد الأركان لأن ذاك اسم إشارة للبعيد .
ايضا هناك دليل منطقي آخر على أن اللقاء انقطع حاليا بين الأصحاب وهو قول الشاعر :
وذاك الحب صانته الوعود .
إذن كان الحب موجودا ثم كانت وعود الأصحاب بالحفاظ على عرى الحب .. ولكن
حصل الفراق لأسباب لم يوضحها الشاعر .
وبهذه الأدلة اللغوية فإن تفسيري يحوي
النتيجة المنطقية والحجة الدامغة على مضمون تحليلي وهو أن أصحابه تركوا صحبته وهو يدعوهم لطاولة اللقاء والوفاء لعرى الصداقة ..
وأترك لكم اصدقائي واترك للشاعر أن يقدم تفسيره بالموافقة أو الرفض مع الأدلة والحجج.
البلاغة واللغة :
- التقديم والتأخير
قلت سابقا أن التقديم والتأخير , يؤتى به لأغراض بلاغية مقصودة .. ألا وهي أهمية المقدم والتشويق .. ويحصل معها التناغم الموسيقي .
والدليل على هذا التقديم والتأخير البيت الأول حيث قدم شبه الجملة : (على كف )
على الفعل الماضي قرات . وغيرها من الأمثلة .
- التشبيه في قوله : أراكم كلحن القلب
فقد شبه حال رؤيته لهم بلحن القلب
واستعار للوريد عزفا فكأنه آلة موسيقية .
- والتشبيه في قوله أراكم في حياتي كغصن قد تكلّله الورود . وهو تشبيه حال رؤيتهم بغصن شجرة ورد (قد تكلله الورود )كناية عن إمكانية اللقاء وليس جازما بوجود الورود . لأن قد كما قلت سابقا للتشكيك وليست للتحقيق .
- المحبة المفترضة براي الشاعر يد ماهرة
تنسج الشموخ والأنفة وهو بهذا قد شخّص المعنويات وجعلها كالمحسوسات تنسج الشموخ .
أما اللغة فقد جاءت فصيحة بألفاظ مألوفة
ليس فيها غرابة وهي من لغة البساطة والمعجم اليومي .
-------.
قضية نحوية :
اما نحويا فهناك قضية نحوية يجدر الإشارة إليها وهي جزم جواب الطلب والذي يفترض ان يجزم بحذف حرف العلة ولكن بعض النّحويين أجاز رفعه بضمه مقدرة على الياء
في قوله : تعالوا نلتقي
واقدم لكم الدليل على جواز عدم الحذف :
( ولذلك يرى سيبويه في كتابه جواز الرفع بفك هذا الارتباط الشرطي واعتبار الطلب بلا شرط مقدر، فيرفع المضارع على الابتداء أو الوصف أو الحال...
أمثلة :
- في القرآن الكريم (فهب لي من لدنك وليا يرثُني ويرث من آل يعقوب ... 6 مريم) قرأت (يرثُني و يرثْني) بالرفع والجزم . ففي الرفع تكون (يرثُتي) على الصفة أي ( ولياً وارثاً) ، وفي قراءة الجزم تكون جزاء للطلب= إن تهب لي ولياً يرثْني)
- وعلى هذا الأساس والمثال من القرآن الكريم أقيس عدم الحذف من قبل شاعرنا
للياء في نلتقي برؤية النحويين لجواز الرفع والجزم وفقا لما ورد في الآية الكريمة .
وأخيرا أتمنى أن أكون قد وفقت بإلقاء نظرة
شمولية من كافة النواحي على نص شاعرنا
الفاضل أبو النُّور الحلبي ..
وكلّ ما قمت به من نقد موضوعي هدية
للشاعر الألق ..وردا على تفاعله بالنشر في مجلة همسات فوق اوراق الصمت . ألف شكر وتقدير اديبنا الفاضل أبو النور الحلبي صغت أجمل الكلمات في قالب شعري شفاف وارف بظلاله على موضوع اجتماعي إنساني وجداني يهم الجميع في كل مكان وزمان . فجاءت قطعة شعرية غاية في الموضوعية الهادفة لتوثيق عرى الصحبة والصداقة لأنها علاقة تهم جميع فئات الأعمار منذ الطفولة حتى انقضاء العمر على مدرج من الإخلاص
لهذه العلاقات البشرية التي لا يميزها
الدّم الواحد ولا اللّون الواحد وليس بها عنصرية او أطماع بشرية .. ( فرب أخ لك لم تلده أمك ) .
وأودّ أن أشير إلى أن عملي النّقدي هذا هو مجرّد رؤية شخصية من هاوية تحبُّ النقد
ولم أتبع في نقدي مدرسة نقدية معينة ولا منهج نقدي محدّد .وهكذا احبُّ أن أسير بلا قيود وانا اكتب دراستي ورؤيتي النقدية .
ألف شكر أديبتنا الراقية همسة عتاب وأديبنا الفذ الراقي أشرف سعد لهذا التوجيه من قبلكم .. كان معكم : خوله رمضان
ضمن فعاليات وبرامج مجلة همسات فوق اوراق الصمت . الف شكر أديبتنا الراقية همسة عتاب على هذا التصميم للبرنامج .
ألف شكر لكل المتابعين والمتفاعلين .